" صفحة رقم ١٤٢ "
ألا يا اسلمى يا دار مي على البلى
ولا زال منها بجرعائك القطر
ودعوى الزمخشري في أبيات امرىء القيس الثلاثة أن فيها ثلاثة التفاتات غير صحيح بل هما التفاتان :
الأول : خروج من الخطاب المفتتح به في قوله : تطاول ليلك بالاثمد
ونام الخلي ولم ترقد
إلى الغيبة في قوله : وبات وباتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد
الثاني : خروج من هذه الغيبة إلى المتكلم في قوله : وذلك من نبأ جاءني. وخبرته عن أبي الأسود وتأويل كلامه أنها ثلاث خطأ وتعيين. إن الأول هو الانتقال من الغيبة إلى الحضور أشد خطأ لأن هذا الالتفات هو من عوارض الألفاظ لا من التقادير المعنوية وإضمار قولوا قبل الحمد لله وإضمارها أيضا قبل إياك لا يكون معه التفات وهو قول مرجوح. وقد عقد أرباب علم البديع للالتفات في كلامهم ومن أجلهم كلاما فيه ابن الأثير الجزري رحمه الله تعالى. وقراءة من قرأ إياك يعبد بالياء مبنيا للمفعول مشكلة لأن إياك ضمير نصب ولا ناصب له وتوجيهها إن فيها استعارة والتفاتا فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع فكأنه قال أنت ثم التفت فأخبر عنه أخبار الغائب لما كان إياك هو الغائب من حيث المعنى فقال يعبد وغرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة وهو ينظر إلى قول الشاعر : أأنت الهلالي الذي كنت مرة
سمعنا به والأرحبي المغلب
وإلى قول أبي كثير الهذلي : يا لهف نفسي كان جلدة خالد
وبياض وجهك للتراب الأعفر
وفسرت العبادة في إياك نعبد بأنها التذلل والخضوع وهو أصل موضوع اللغة أو الطاعة كقوله تعالى :) لا تعبد الشيطان مريم ( أو التقرب بالطاعة أو الدعاء أن الذين يستكبرون عن عبادتي غافر أي عن دعائي أو التوحيد إلا ليعبدون الذاريات أي ليوحدون وكلها متقاربة المعنى. وقرنت الاستعانة بالعبادة للجمع بين ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى وبين ما يطلبه من جهته. وقدمت العبادة على الاستعانة لتقديم


الصفحة التالية
Icon