" صفحة رقم ١٤٧ "
الحيرة من أشهار الصفات الأزلية فسألوا الهداية إلى أوصاف العبودية لئلا يستغرقوا في الصفات الأزلية. وهذه الأقوال ينبو عنها اللفظ ولهم فيما يذكرون ذوق وإدراك لم نصل نحن إليه بعد. وقد شحنت التفاسير بأقوالهم ونحن نلم بشيء منها لئلا يظن أنا إنما تركنا ذكرها لكوننا لم نطلع عليها. وقد رد الفخر الرازي على من قال إن الصراط المستقيم هو القرآن أو الإسلام وشرائعه قال : لأن المراد صراط الذين أنعمت عليهم من المتقدمين ولم يكن لهم القرآن ولا الإسلام يعني بالإسلام هذه الملة الإسلامية المختصة بتكاليف لم تكن تقدمتها وهذه الرد لا يتأتى له إلا إذا صح أن الذين أنعم الله عليهم هم متقدمون وستأتي الأقاويل في تفسير الذين أنعم الله عليهم واتصال نا باهد مناسب لنعبد ونستعين لأنه لما أخبر المتكلم أنه هو ومن معه يعبدون الله ويستعينونه سأل له ولهم الهداية إلى الطريق الواضح لأنهم بالهداية إليه تصح منهم العبادة. ألا ترى أن من لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصح له بلوغ مقصوده ؟ وقرأ الحسن والضحاك : صراطا مستقيما دون تعريف. وقرأ جعفر الصادق : صراط مستقيم بالإضافة أي الدين المستقيم. فعلى قراءة الحسن و الضحاك يكون صراط الذين بدل معرفة من نكره كقوله تعالى :) وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الشورى ( وعلى قراءة الصادق وقراءآت الجمهور تكون بدل معرفة من معرفة صراط الذين بدل شيء من شيء وهما بعين واحدة وجيء بها للبيان لأنه لما ذكر قبل ) اهدنا الصراط المستقيم ( كان فيه بعض إبهام فعينه بقوله :) صراط الذين ( ليكون المسؤول الهداية إليه قد جرى ذكره مرتين وصار بذلك البدل فيه حوالة على طريق من أنعم الله عليهم فيكون ذلك أثبت وأوكد وهذه هي فائدة نحو هذا البدل ولأنه على تكرار العامل فيصير في التقدير جملتين ولا يخفى ما في الجملتين من التأكيد فكأنهم كرروا طلب الهداية.
ومن غريب النقول أن الصراط الثاني ليس الأول بل هو غيره وكأنه قرىء فيه حرف العطف وفي تعيين ذلك اختلاف. قيل هو العلم بالله والفهم عنه قاله جعفر بن محمد وقيل التزام الفرائض واتباع السنن وقيل هو موافقه الباطن للظاهر في إسباغ النعمة. قال تعالى :) وأسبغ عليكم نعمت ظاهرة وباطنة لقمان ( وقرأ : صراط من أنعمت عليهم ابن مسعود و عمر و ابن الزبير وزيد بن علي. والمنعم عليهم هنا الأنبياء أو الملائكة أو أمة موسى وعيسى الذين لم يغيروا أو النبي ( ﷺ ) ) أو النبيون والصديقون والشهداء والصالحون أو المؤمنون قاله ابن عباس. أو الأنبياء والمؤمنون أو المسلمون قاله وكيع أقوال وعزا كثيرا منها إلى قائلها ابن عطية فقال : قال ابن عباس : والجمهور أراد صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين انتزعوا ذلك من آية النساء. وقال ابن عباس أيضا : هم المؤمنون. وقال الحسن : أصحاب محمد ( ﷺ ) ). وقالت فرقة : مؤمنو بني إسرائيل. وقال ابن عباس : أصحاب موسى قبل أن يبدلوا. وقال قتادة : الأنبياء خاصة. وقال أبو العالية : محمد ( ﷺ ) ) وأبو بكر وعمر انتهى. ملخصا ولم يقيد الأنعام ليعم جميع الأنعام أعني عوم البدل. وقيل أنعم عليهم بخلقهم للسعادة وقيل بأن نجاهم من الهلكة وقيل بالهداية واتباع