" صفحة رقم ١٨٩ "
أحدهما : أن يكون على حذف مضاف، أي فزاد الله قلوبهم مرضاً، والثاني : أنه زاد ذواتهم مرضاً لأن مرض القلب مرض لسائر الجسد، فصح نسبه الزيادة إلى الذوات، ويكون ذلك تنبيهاً على أن في ذواتهم مرضاً، وإنما أضاف ذلك إلى قلوبهم لأنها محل الإدراك والعقل. وأمال حمزة فزادهم في عشرة أفعال ألفها منقلبة عن ياء إلا فعلاً واحداً ألفه منقلبة عن واو ووزنه فعل بفتح العين، إلا ذلك الفعل فإن وزنه فعل بكسر العين، وقد جمعتها في بيتين في قصيدتي المسماة، بعقد اللآلي في القراءآت السبع العوالي، وهما : وعشرة أفعال تمال لحمزة
فجاء وشاء ضاق ران وكملا
بزاد وخاب طاب خاف معاً وحاق زاغ سوى الأحزاب مع صادها فلا يعني أنه قد استثنى حمزة، ( وَإِذْ زَاغَتِ الاْبْصَارُ (، في سورة الأحزاب، ( وَإِذْ زَاغَتِ عَنْهُمُ الابْصَارُ (، في سورة ص، فلم يملها. ووافق ابن ذكوان حمزة على إمالة جاء وشاء في جميع القرآن، وعلى زاد في أول البقرة، وعنه خلاف في زاد هذه في سائر القرآن، وبالوجهين قرأته له، والإمالة لتميم، والتفخيم للحجاز. وأليم : تقدم تفسيره. فإذا قلنا إنه للمبالغة فيكون محوّلاً من فعل لها ونسبته إلى العذاب مجاز، لأن العذاب لا يألم، إنما يألم صاحبه، فصار نظير قولهم : شعر شاعر، والشعر لا يشعر إنما الشاعر ناظمه. وإذا قلنا إنه بمعنى : مؤلم، كما قال عمرو بن معدي كرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
أي المسمع، وفعيل : بمعنى مفعل مجاز، لأن قياس أفعل مفعل، فالأول مجاز في التركيب، وهذا مجاز في الإفراد. وقد حصل للمنافقين مجموع العذابين : العذاب العظيم المذكور في الآية، قيل لانخراطهم معهم ولانتظامهم فيهم. ألا ترى أن الله تعالى في تلك الآية قد أخبر أنهم لا يؤمنون في قوله : لا يؤمنون، وأخبر بذلك في هذه الآية بقوله : وما هم بمؤمنين ؟ والعذاب الأليم، فصار المنافقون أشد عذاباً من غيرهم من الكفار، بالنص على حصول العذابين المذكورين لهم، ولذلك قال تعالى :) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاْسْفَلِ مِنَ النَّارِ (، ثم ذكر تعالى أن كينونة العذاب الأليم لهؤلاء سببها كذبهم وتكذيبهم وما منسوية أي بكونهم يكذبون، ولا ضمير يعود عليها لأنها حرف، خلافاً لأبي الحسن. ومن زعم أن كان الناقصة لا مصدر لها، فمذهبه مردود، وهو مذهب أبي علي الفارسي. وقد كثر في كتاب سيبويه المجيء بمصدر كان الناقصة، والأصح أنه لا يلفظ به معها، فلا يقال : كان زيد قائماً كوناً، ومن أجاز أن تكون ما موصولة بمعنى الذي، فالعائد عنده محذوف تقديره يكذبونه أو يكذبونه. وزعم أبو البقاء أن كون ما موصولة أظهر، قال : لأن الهاء المقدرة عائدة إلى الذي دون المصدر، ولا يلزم أن يكون، ثم هاء مقدرة، بل من قرأ : يكذبون، بالتخفيف، وهم