" صفحة رقم ٣٩٦ "
أي : يصوركم في الأرحام قادراً على تصوريكم مالكاً ذلك وقيل : التقدير في هذه الحال : يصوركم على مشيئته، أي مريداً، فيكون حالاً من ضمير اسم الله، ذكره أبو البقاء، وجوّز أن يكون حالاً من المفعول، أي : يصوركم منقلبين على مشيئته.
وقال الحوفي : يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة، وكما يشاء.
( لا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( كرر هذه الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى، وانحصارها فيه، توكيداً لما قبلها من قوله ) لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ ( ورداً على من ادعى إلهية عيسى، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة، إذ مَن هذان الوصفان له، هو المتصف بالإلهية لا غيره، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير، والحكمة الموجبة لتصوير الإشياء على الإتقان التام.
آل عمران :( ٧ ) هو الذي أنزل.....
( هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ( مناسبة هذا لما قبله أنه : لما ذكر تعديل البنية وتصويرها على ما يشاء من الأشكال الحسنة، وهذا أمر جسماني، استطرد إلى العلم، وهو أمر روحاني. وكان قد جرى لوفد نجران أن من شُبَهِهِمْ قوله ) وَرُوحٌ مّنْهُ ( فبيّن أن القرآن منه محكم العبارة قد صينت من الاحتمال، ومنه متشابه، وهو ما احتمل وجوهاً.
ونذكر أقاويل المفسرين في المحكم والمتشابة.
وقد جاء وصف القرآن بأن آياته محكمة، بمعنى كونه كاملاً، ولفظه أفصح، ومعناه أصح، لا يساويه في هذين الوصفين كلام، وجاء وصفه بالتشابه بقوله :) كِتَاباً مُّتَشَابِهاً ( معناه يشبه بعضه بعضاً في الجنس والتصديق. وأما هنا فالتشابه ما احتُمل وعجز الذهن عن التمييز بينهما، نحو :) إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ( ) وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ( أي : مختلف الطعوم متفق المنظر، ومنه : اشتبه الأمران، إذا لم يفرق بينهما. ويقال لأصحاب المخاريق : أصحاب الشبه، وتقول : الكلمة الموضوعة لمعنى لا يحتمل غيره نص، أو يحتمل راجحاً أحد الاحتمالين على الآخر، فبالنسبة إلى الراجح ظاهر، وإلى المرجوح مؤوّل، أو يحتمل من غير رجحان، فمشترك بالنسبة إليهما، ومجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما. والقدر المشترك بين النص والظاهر هو المحكم، والمشترك بين المجمل والمؤوّل هو المتشابه، لأن عدم الفهم حاصل في القسمين.
قال ابن عباس، وابن مسعود، وقتادة، والربيع، والضحاك : المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ. وقال مجاهد، وعكرمة : المحكم : ما بيَّن تعالى حلاله وحرمه فلم تشتبه معانيه، والمتشابه : ما اشتبهت معانيه. وقال جعفر بن محمد، ومحمد بن جعفر بن الزبير، والشافعي : المحكم ما لا يتحمل إلاَّ وجهاً واحداً، والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجهاً. وقال ابن زيد : المحكم : ما لم تتكرر ألفاظه، والمتشابه : ما تكررت. وقال جابر بن عبد الله، وابن دئاب، وهو مقتصى قول الشعبي والثوري وغيرهما : المحكم ما فهم العلماء تفسيره، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه : كقيام الساعة، وطلوع الشمس من مغر بها، وخروج عيسى.
وقال أبو عثمان : المحكم، الفاتحة. وقال


الصفحة التالية
Icon