" صفحة رقم ٤١٣ "
رأى الناس إلا من رأى مثل رأيه
خوارج تراكين قصد المخارج
ومعنى : مثليهم، قدرهم مرتين. وزعم الفراء أن معنى : يرونهم مثليهم، ثلاثة أمثالهم كقول القائل : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها. وغلطه الزجاج. وقال : إنما مثل الشيء مساو له. ومثلاه مساويه مرتين.
وقال ابن كيسان : أوقع الفراء في هذا التأويل أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المسلمين يوم بدر، فتوهم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلاّ على عدتهم، وهذا بعيد، وليس المعنى عليه، وإنما المعنى أراهم الله على غير عدتهم بجهتين : إحداهما : أنه رأى الصلاح في ذلك، لأن المؤمنين يقوي قلوبهم بذلك. والأخرى : أنه آية النبي ( ﷺ ) ). انتهى كلام ابن كيسان.
وتظاهرت الروايات أن جميع الكفار ببدر كانوا نحو الألف أو تسعمائة، والمؤمنين ثلثمائة وأربعة عشر. وقيل : وثلاثة عشرة، لكن رجع بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، ورجع طالب بن أبي طالب وأتباع، وناس كثير حتى بقي للقتال من بقرب من الثلثين، فذكر الله المثلين، إذ أمرهما متيقن لم يدفعه أحد. وحكي عن ابن عباس : أن المشركين كانوا في قتال بدر ستمائة وستة وعشرين، وقد ذهب الزجاج وغيره إلى أنهم كانوا نحو الألف.
وروي عن النبي ( ﷺ ) ) قال :( يوم بدر القوم ألف ). وقال ابن عباس : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحداً. وقال في رواية : لقد قللوا في أعيننا حتى لقد قلت لرجل إلى جانبي تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة. فأسرنا منهم رجلاً فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفاً. ونقل أن المشركين لما أسروا، قالوا للمسلمين : كم كنتم ؟ قالوا : كنا ثلاثمائة وثلاثة عشرة، قالوا : ما كنا نراكم إلاّ تضعفون علينا وتكثير كل طائفة في عين الأخرى، وتقليلها بالنسبة إلى وقتين جائز، فلا يمتنع.
( وَاللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء ( أي : يقويه بعونه. وقيل : النصر الحجة. ونسبة التأييد إليه يدل على أن المؤيد هم المؤمنون، ومفعول : من يشاء، محذوف أي : من يشاء نصره.
( إِنَّ فِى ذَلِكَ ( أي : النصر. وقيل : رؤية الجيش مثليهم ) لَعِبْرَةً ( أي اتعاظاً ودلالة. ) لاِوْلِى الاْبْصَارِ ( إن كانت الرؤية بصرية، فالمعنى : للذين أبصروا الجمعين، وإن كانت اعتقادية، فالمعنى : لذوي العقول السليمة القابلة للاعتبار.
آل عمران :( ١٤ ) زين للناس حب.....
( زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النّسَاء وَالْبَنِينَ ( قرأ الجمهور : زين مبنياً للمفعول، والفاعل محذوف، فقيل : هو الله تعالى، قاله عمر، لأنه قال حين نزلت : الآن يا رب حين زينتها، فنزلت ) قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ ( الآية، ومعنى التزيين : خلقها وإنشاء الجبلة على الميل إليه، وهذا كقوله :) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الاْرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ ( فزينها تعالى للابتلاء، ويدل عليه قراءة : زين للناس حب، مبنياً للفاعل، وهو الضمير العائد على الله في قوله :) وَاللَّهُ يُؤَيّدُ ).
وقيل : المزين الشيطان، وهو ظاهر قول الحسن، قال : من زينها : ما أحد أشد ذماً لها من خالقها ويصح إسناد التزيين إلى الله تعال بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، ونسبته إلى الشيطان بالوسوسة، وتحصيلها من غير وجهها. وأشارت الآية إلى توبيخ معاصري رسول الله ( ﷺ ) ) من اليهود وغيرهم، المفتونين بالدنيا، وأضاف المصدر إلى المفعول، وهو الكثير في القرآن، وعبر عن المشتهيات : بالشهوات، مبالغة. إذ جعلها نفس الأعيان، وتنبيهاً على خستها، لأن الشهوة مسترذلة عند العقلاء، يذم متبعها ويشهد له بالانتظام في البهائم، وناهيك لها ذماً قوله ( ﷺ ) ) :( حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره ) وأتى بذكر الشهوات أولاً مجموعة على


الصفحة التالية
Icon