" صفحة رقم ٤٤٥ "
والحسن، وعطاء، ومجاهد، والنخعي، والثوري، وإسحاق. وأجاز أكل صيد كلابهم : مالك، وأبو حنيفة، والشافعي إذا كان الصائد مسلماً. قالوا : وذلك مثل شفرته. والجمهور : على جواز ما صاد الكتابي. وقال مالك : لا يجوز فرق بين صيده وذبيحته. وما صاد المجوسي فالجمهور على منع أكله : عطاء، وابن جبير، والنخعي، ومالك، وأبو حنيفة، والليث، والشافعي. وقال أبو ثور : فيه قول أنهم أهل كتاب، وأن صيدهم جائز، وما علمتم موضع ما رفع على أنه معطوف على الطيبات، ويكون حذف مضاف أي : وصيد ما علمتم، وقدره بغضهم : واتخاذ ما علمتم. أو رفع على الابتداء، وما شرطية، والجواب : فكلوا. وهذا أجود، لأنه لا إضمار فيه.
وقرأ ابن عباس وابن الحنفية : وما عُلمتم مبنياً للمفعول أي : من أمر الجوارح والصيد بها. وقرأ : مكلبين من أكلب، وفعل وأفعل، قد يشتركان. والظاهر دخول الكلب الأسود البهيم في عموم الجوارح، وأنه يجوز أكل صيده، وبه قال الجمهور. ومذهب أحمد وجماعة من أهل الظاهر : أنه لا يجوز أكل صيد، لأنه مأمور بقتله، وما أوجب الشرع قتله فلا يجوز أكل صيده. وقال أحمد : لا أعلم أحداً رخص فيه إذا كان بهيماً وبه قال : ابن راهويه. وكره الصيد به : الحسن، وقتادة، والنخعي. وقد تقدم ذكر أقصى غاية التعليم في الكلب، أنه إذا أمر ائتمر، وإذا زجر انزجر. وزاد قوم شرطاً آخر وهو أن لا يأكل مما صاد، فأما سباع الطير فلا يشترط فيها الأكل عند الجمهور. وقال ربيعة : ما أجاب منها فهو المعلم. وقال ابن حبيب : لا يشترط فيها إلا شرط واحد : وهو أنه إذا أمرها أطاعت، فإن انزجارها إذا زجرت لا يتأتى فيها. وظاهر قوله : وما علمتم، حصول التعليم من غير اعتبار عدد. وكان أبو حنيفة لا يجد في ذلك عدداً. وقال أصحابنا : إذا صاد الكلب وأمسك ثلاث مرات فقد حصل له التعليم. وقال غيرهم : إذا فعل ذلك مرة واحدة فقد صار معلماً.
( تُعَلّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ( أي : إنّ تعليكم إياهنّ ليس من قبل أنفسكم، إنما هو من العلم الذي علمكم الله، وهو أن جعل لكم روية وفكراً بحيث قبلتم العلم. فكذلك الجوارح بصبر لها إدراك مّا وشعور، بحيث يقبلن الائتمار والانزجار. وفي قوله : مما علمكم الله، إشعار ودلالة على فضل العلم وشرفه، إذ ذكر ذلك في معرض الامتنان. ومفعول علم وتعلمونهنّ الثاني محذوف تقديره : وما علمتموه طلب الصيد لكم لا لأنفسهنّ تعلمونهنّ ذلك، وفي ذلك دلالة على أن صيد ما لم يعلم حرام أكله، لأنّ الله تعالى إنما أباح ذلك بشرط التعليم. والدليل على ذلك الخطاب في عليكم في قوله : فكلوا مما أمسكن عليكم، وغير المعلم إنما يمسك لنفسه. ومعنى مما علمكم الله أي : من الأدب الذي أدّبكم به تعالى، وهو اتباع أوامره واجتناب نواهيه، فإذا أمر فائتمر، وإذا زجر فانزجر، فقد تعلم مما علمنا الله تعالى. وقال الزمخشري : مما علمكم الله من كلم التكليف، لأنه إلهام من الله تعالى ومكتسب بالعقل انتهى. والجملة من قوله : تعلمونهن، حال ثانية. ويجوز أن تكون مستأنفة على تقدير : أن لا تكون ما من قوله : وما علمتم من الجوارح، شرطية، إلا إن كانت اعتراضاً بين الشرط وجزائه. وخطب الزمخشري هنا فقال : وفيه فائدة جليلة وهي أنّ كل آخذ علماً أن لا يأخذه إلا من قبل أهله علماً وأبحرهم دراية، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، واحتاج إلى أن تضرب إليه أكباد الإبل، فكم من أخذ من غير متقن فقد ضيع أيامه وعض عند لقاء النحارير أنامله.
( فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ( هذا أمر إباحة. ومِن هنا للتبعيض والمعنى : كلوا من الصيد الذي أمسكن عليكم. ومن ذهب إلى أن مِن زائدة فقوله ضعيف، وظاهره أنه إذا أمسك على مرسله جاز الأكل سواء أكل الجارح منه، أو لم يأكل، وبه قال : سعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي، وأبو هريرة، وابن عمر. وهو قول مالك وجميع أصحابه. ولو بقيت بضعة بعد أكله جاز أكلها ومن حجتهم : أنّ قتله هي ذكاته، فلا يحرم ما ذكى. وقال أبو هريرة أيضاً وابن جبير، وعطاء، وقتادة، وعكرمة، والشافعي،