" صفحة رقم ٤٥٥ "
العدل والسواء من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والاحن، فبدىء فيها بالقيام لله تعالى أولاً لأنه أردع للمؤمنين، ثم أردف بالشهادة بالعدل فالتي في معرض المحبة والمحاباة بدىء فيه بما هو آكد وهو القسط، وفي معرض العداوة والشنآن بدىء فيها بالقيام لله، فناسب كل معرض بما جيء به إليه. وأيضاً فتقدم هناك حديث النشوز والإعراض وقوله :) وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ ( وقوله :) فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن ( فناسب ذكر تقديم القسط، وهنا تأخر ذكر العداوة فناسب أن يجاورها ذكر القسط، وتعدية يجرمنكم بعلى إلا أن يضمن معنى ما يتعدى بها، وهو خلاف الأصل.
( تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( أي : العدل نهاهم أولاً أن تحملهم الضغائن على ترك العدل ثم أمرهم ثانياً تأكيداً، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله : هو أقرب للتقوى، أي : أدخل في مناسبتها، أو أقرب لكونه لطفاً فيها. وفي الآية تنبيه على مراعاة حق المؤمنين في العدل، إذ كان تعالى قد أمر بالعدل مع الكافرين.
( وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( لما كان الشنآن محله القلب وهو الحامل على ترك العدل أمر بالتقوى، وأتى بصفة خبير ومعناها عليم، ولكنها تختص بما لطف إدراكه، فناسب هذه الصفة أن ينبه بها على الصفة القلبية.
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (
المائدة :( ٩ ) وعد الله الذين.....
لما ذكر تعالى أوامر ونواهي، ذكر وعد من اتبع أوامره واجتنب نواهيه و ) وعد ( تتعدى لاثنين، والثاني محذوف، تقديره الجنة : وقد صرح بها في غير هذا الموضع ن والجملة من قوله ) لهم مغفرة ( نفسر لذلك المحذوف، تفسير السبب للمسبب، لأت الجنة مترتبة على الغفرانت، وحصول الأجر، وإذا كانت الجملة مفسرة، فلا موضع لها من الإعراب، والكلام قبلها تام، وجعل الزمخشري، قوله ) لهم مغفرة وأجر عظيم ( بيانا للوعد، قال :: انه قال : قدم لهم وعدا فقيل : أي شيء وعده، فقال لهم : مغفرة وأجر عظيم أو يكون على إرادة القول، وعدهم وقال : لهم لهم مغفرة أو على إجراء ) وعد ( مجرى قال، لأنه ضرب من القول، أو يجعل ) وعد ( واقعا على الجملة التي هي مغفرة كما وقع تركنا على قوله ) سلام على نوح في العالمين ( كأنه قيل : وعدهم هذا القول، وإذا وعدهم مَن لا يخلف اليمعاد فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والأجر العظيم، وهذا القول يتلقونه عند اتلموت ويوم القيامة، فيسرون ويستريحون إليه، وتهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى التراب انتهى. وهي تقادير محتملة، والأول أوجهها. ) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (
المائدة :( ١٠ ) والذين كفروا وكذبوا.....
لما ذكر ما لمن آمن، ذكر ما لمن كفر. وفي المؤمنين جاءت الجملة فعلية متضمنة الوعد بالماضي الذي هو دليل على الوقوع، فأنفسهم متشوقة لما وعدوا به، متشوفة إلفيه مبتهجة طول الحياة بهذا الوعد الصادق. وفي الكافرين جاءت الجملة إسمية دالة على ثبوت هذا الحكم لهم، وأنهم أصحاب النار، فهم دائمون في عذابٍ، إذْ حتم لهم أنهم أصحاب الجحيم، ولم يأت بصورة الوعيد، فكان يكون الرجاء لهم في ذلك.
( الْجَحِيمِ


الصفحة التالية
Icon