" صفحة رقم ٤٧١ "
إنّ العمالقة أجسام لا قلوب فيها فلا تخافوهم، وارجعوا إليهم فإنكم غالبوهم تشجيعاً لهم على قتالهم.
( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( لما رأيا بني إسرائيل قد عصوا الرسول في الإقدام على الجهاد مع وعد الله لهم السابق، استرابا في إيمانهم، فأمراهم بالتوكل على الله إذ هو الملجأ والمفزع عند الشدائد، وعلق ذلك بشرط الإيمان الذي استرابا في حصوله لبني إسرائيل.
المائدة :( ٢٤ ) قالوا يا موسى.....
( قَالُواْ يا مُوسَى لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا ( لما كرر عليهم أمر القتال كرروا الامتناع على سبيل التوكيد بالموليين، وقيدوا أولاً نفي الدخول بالظرف المختص بالاستقبال وحقيقته التأييد، وقد يطلق على الزمان المتطاول فكأنهم نفوا الدخول طول الأبد، ثم رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبارين فيها، فأبدلوا زماناً مقيداً من زمان هو ظاهر في العموم في الزمان المستقبل، فهو بدل بعض من كل.
( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا ( ظاهر الذهاب الانتقال، وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة، ولذلك قال الحسن : هو كفر منهم بالله تعالى. قال الزمخشري : والظاهر أنهم قالوا ذلك استهانة بالله ورسله وقلة مبالاة بهما واستهزاء، وقصدوا ذهابهما حقيقة لجهلهم وجفائهم وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل، وسألوا بها رؤية الله جهرة، والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم. ويحكى أنّ موسى وهارون خرّا لوجوههما ما قدامهم لشدة ما ورد عليهما فسموا برجمهما، ولأمر ما قرن الله اليهود بالمشركين وقدمهم عليهم في قوله تعالى :) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ( وقيل : يحتمل أن لا يقصدوا الذهاب حقيقة، ولكن كما تقول : كلمته فذهب يجبيني، يريد معنى الإرادة والقصد للجواب، كأنهم قالوا : اريد إقبالهم.
والمراد بالرّب هنا هو الله تعالى. وذكر النقاش عن بعض المفسرين هنا أن المراد بالرّب هارون، لأنه كان أسن من موسى، وكان معظماً في بني إسرائيل محبباً لسعة خلقه ورحب صدره، فكأنهم قالوا : اذهب أنت وكبيرك. وهو تأويل بعيد يخلص بني إسرائيل من الكفر. وربك معطوف على الضمير المستكن في اذهب المؤكد بالضمير المنفصل، وقد تقدّم الكلام على ذلك في قوله :) اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ( ورددنا قول من ذهب إلى أنه مرفوع على فعل أمر محذوف يمكن رفعه الظاهر، فيكون من عطف الجمل التقدير : فاذهب وليذهب ربك. وذهب بعض الناس إلى أن الواو واو الحال، وربك مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف. أو تكون الجملة دعاء والتقدير فيهما : وربك يعينك، وهذا التأويل فاسد بقوله فقاتلا.
( إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ( هذا دليل على أنهم خارت طباعهم فلم يقدروا على النهوض معه للقتال، ولا على الرجوع من حيث جاءوا، بل أقاموا حيث كانت المحاورة بين موسى وبينهم. وها من قوله هاهنا للتنبيه، وهنا ظرف مكان للقريب، والعامل فيه قاعدون. ويجوز في مثل هذا التركيب أن يكون الخبر الظرف وما بعده حال فينتصب، وأن يكون الخبر الاسم والظرف معمول له. وهو أفصح.
المائدة :( ٢٥ ) قال رب إني.....
( قَالَ رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى ( لما عصوا أمر الله وتمردوا على موسى وسمع منهم ما سمع من كلمة الكفر وسوء الأدب مع الله ولم يبق معه من يثق به إلا هارون قال ذلك، وهذا من الكلام المنطوي صاحبه على الالتجاء إلى الله والشكوى إليه، ورقة القلب التي تستجلب الرّحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب :) إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ ( وعن علي أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال المنافقين فما أجابه إلا رجلان، فتنفس الصعداء ودعا لهما وقال : أين تتبعان مما أريد ؟ والظاهر إنّ وأخي معطوف على نفسي، ويحتمل أن يكون وأخي مرفوعاً بالابتداء، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه أي : وأخي لا يملك إلا نفسه، فيكون قد عطف جملة غير مؤكدة على جملة مؤكدة، أو منصوباً عطفاً على اسم إنّ أي : وإن أخي لا يملك إلا نفسه، والخبر محذوف، ويكون قد عطف الاسم والخبر على الخبر نحو : إن زيداً قائم وعمراً شاخص، أي : وإنّ عمراً شاخص. وأجاز ابن عطية والزمخشري أن يكون وأخي مرفوعاً عطفاً على الضمير المستكن في أملك، وأجاز ذلك للفصل بينهما بالمفعول المحصور. ويلزم من ذلك