" صفحة رقم ٥٠٠ "
الكاف والذال جمع كذوب، نحو صبور وصبر، أي : سماعون للكذب الكذب.
( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ ( فيحتمل أن يكون المعنى : سماعون لكذب قوم آخرين لم يأتوك أي كذبهم، والذين لم يأتوه يهود فدك. وقيل : يهود خيبر. وقيل : أهل الرأبين. وقيل : أهل الخصام في القتل والدية. ويحتمل أن يكون المعنى : سماعون لأجل قوم آخرين، أي هم عيون لهم وجواسيس يسمعون منك وينقلون لقوم آخرين، وهذا الوصف يمكن أن يتصف به المنافقون، ويهود المدينة. وقيل : السماعون بنو قريظة، والقوم الآخرون يهود خيبر. وقيل لسفيان بن عيينة : هل جرى ذكر الجاسوس في كتاب الله ؟ فقال : نعم. وتلا هذه الآية سماعون لقوم آخرين، لم يأتوك : صفة لقوم آخرين. ومعنى لم يأتوك : لم يصلوا إلى مجلسك وتجافوا عنك لما فرط منهم من شدّة العداوة والبغضاء، فعلى هذا الظاهر أن المعنى : هم قائلون من الأحبار كذبهم وافتراؤهم، ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك.
( يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ ( قرىء الكلم بكسر الكاف وسكون اللام أي : يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعها الله فيها. قال ابن عباس والجمهور : هي حدود الله في التوراة، وذلك أنهم غيروا الرجم أي : وضعوا الجلد مكان الرجم. وقال الحسن : يغيرون ما يسمعون من الرسول عليه السلام بالكذب عليه. وقيل : بإخفاء صفة الرسول. وقيل : بإسقاط القود بعد استحقاقه. وقيل : بسوء التأويل. قال الطبري : المعنى يحرفون حكم الكلام، فحذف للعلم به انتهى. ويحتمل أن يكون هذا وصفاً لليهود فقط، ويحتمل أن يكون وصفاً لهم وللمنافقين فيما يحرفونه من الأقوال عند كذبهم، لأن مبادىء كذبهم يكون من أشياء قيلت وفعلت، وهذا هو الكذب الذي يقرب قبوله. ومعنى من بعد مواضعه : قال الزجاج من بعد أن وضعه الله مواضعه، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه.
( يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَاذَا فَخُذُوهُ ( الإشارة بهذا قيل : إلى التحميم والجلد في الزنا. وقيل : إلى قبول الدية في أمر القتل. وقيل : على إبقاء عزة النضير على قريظة، وهذا بحسب الاختلاف المتقدم في سبب النزول. وقال الزمخشري : إن أوتيتم، هذا المحرّف المزال عن مواضعه فخذوه واعلموا أنه الحق، واعملوا به انتهى. وهو راجع لواحد مما ذكرناه، والفاعل المحذوف هو الرسول أي : إن أتاكم الرسول هذا.
( وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ ( أي : وإنْ أفتاكم محمد بخلافه فاحذروا وإياكم من قبوله فهو الباطل والضلال. وقيل : فاحذروا أن تعلموه بقوله السديد. وقيل : أن تطلعوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به. وقيل : فاحذروا أن تسألوه بعدها، والظاهر الأول لأنه مقابل لقوله : فخذوه. فالمعنى : وإن لم تؤتوه وأتاكم بغيره فاحذروا قبوله.
( وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ( قال الحسن وقتادة : فتنته أي عذابه بالنار. ومنه يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون. وقال الزجاج : فضيحته. وقيل : اختباره لما يظهر به أمره. وقيل : إهلاكه. وقال ابن عباس ومجاهد : كفره وإضلاله، يقال : فتنه عن دينه صرفه عنه، وأصله فلن يقدر على دفع ما يريد الله منه. وقال الزمخشري : ومن يرد الله فتنته تركه مفتوناً وخذلانه، فلن تستطيع له من لطف الله وتوفيقه شيئاً انتهى. وهذا على طريقة الاعتزال. وهذه الجملة جاءت تسلية للرسول وتخفيفاً عنه من ثقل حزنه على مسارعتهم في الكفر. وقطعاً لرجائه من فلاحهم.
( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ ( أي سبق لهم في علم الله ذلك، وأن يكونوا مدنسين بالكفر. وفي هذا وما قبله ردّ على القدرية والمعتزلة. وقال الزمخشري : أولئك الذين لم يرد الله أن يمنحهم من ألطافه ما يظهر به قلوبهم، لأنهم ليسوا من أهلها لعلمه أنها لا تنفع ولا تنجع فيها. إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله كيف يهدي الله قوماً كفروا