" صفحة رقم ١٠١ "
مسألة القبح والحسن، وبناء ما قالوه عليها ذكرها أبو عبد الله الرازي في تفسير فتطالع هناك، إذ مسألة التقبيح والتحسين خالفوا فيها أهل السنة وجمهور المفسّرين، يقولون : إن الكفار يكذبون في الآخرة وظواهر القرآن دالة على ذلك وقد خالف الزمخشري هنا أصحابه المعتزلة ووافق أهل السنة.
( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ( يحتمل أن تكون ) مَا ( مصدرية وإليه ذهب ابن عطية قال : معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكفرهم بادعائهم لله الشركاء. وقيل : من اليمين الفاجرة في الدار الآخرة وقيل عزب عنهم افتراؤهم للحيرة التي لحقتهم، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي وإليه ذهب الزمخشري. قال : وغاب ) عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ( ألوهيته وشفاعته وهو معنى قول الحسن وأبي عليّ قالا : لم يغن عنهم شيئاً ما كانوا يعبدون من الأصنام في الدنيا. وقيل : هو قولهم ما كنا ) نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ( فذهب عنهم حيث علموا أن لا تقريب منهم، ويحتمل أن يكون ) وَضَلَّ ( عطف على كذبوا فيدخل في خبر ) أَنظُرْ ( ويحتمل أن يكون إخباراً مستأنفاً فلا يدخل في حيزه ولا يتسلط النظر عليه.
الأنعام :( ٢٥ ) ومنهم من يستمع.....
( وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءاذَانِهِمْ وَقْراً ). روى أبو صالح عن ابن عباس أن أبا سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأمية وأبياً استمعوا للرسول ( ﷺ ) ) فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ما يقول محمد فقال : ما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية، وكان صاحب أشعار جمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم واسفنديار فكان يحدث قريشاً فيستمعون له فقال أبو سفيان : إني لأرى بعض ما يقول حقاً. فقال أبو جهل : كلا لا تقر بشيء من هذا وقال الموت أهون من هذا، فنزلت والضمير في ) وَمِنْهُمُ ( عائد على الذين أشركوا، ووحد الضمير في ) يَسْتَمِعِ ( حملاً على لفظ ) مِنْ ( وجمعه في ) عَلَى قُلُوبِهِمْ ( حملاً على معناها والجملة من قوله :) وَجَعَلْنَا ( معطوفة على الجملة قبلها عطف فعلية على اسمية فيكون إخباراً من الله تعالى أنه جعل كذا. وقيل : الواو واو الحال أي وقد جعلنا أي ننصت إلى سماعك وهم من الغباوة، في حد من قلبه في كنان وأذنه صماء وجعل هنا يحتمل أن تكون بمعنى ألقى، فتتعلق على بها وبمعنى صير فتتعلق بمحذوف إذ هي في موضع المفعول الثاني ويجوز أن تكون بمعنى خلق، فيكون في موضع الحال لأنها في موضع نعت لو تأخرت، فلما تقدّمت صارت حالاً والأكنة جمع كنان كعنان وأعنة والكنان الغطاء الجامع.
قال الشاعر : إذا ما انتضوها في الوغى من أكنة
حسبت بروق الغيث هاجت غيومها
و ) أَن يَفْقَهُوهُ ( في موضع المفعول من أجله تقديره عندهم كراهة أن يفقهوه. وقيل : المعنى أن ) لا يَفْقَهُوهُ ( وتقدّم نظير هذين التقديرين. وقرأ طلحة بن مصرّف وقرأ بكسر الواو كأنه ذهب إلى أن ) ءاذَانِهِمْ ( وقرت بالصمم كما توقر الدابة من الحمل، والظاهر أن الغطاء والصمم هنا ليسا حقيقة بل ذلك من باب استعارة المحسوس للمعقول حتى يستقر في النفس، استعار الأكنة لصرف قلوبهم عن تدبر آيات الله، والثقل في الأذن لتركهم الإصغاء إلى سماعه ألا تراهم قالوا :) لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ ( فلما لم يتدبروا ولم يصغوا كانوا بمنزلة من على قلبه غطاء وفي أذنه وقر. وقال قوم : ذلك حقيقة وهو لا يشعر به كمداخلة الشيطان باطن الإنسان وهو لا يشعر به