" صفحة رقم ١٠٧ "
الكفار هي الكذب، فيكون ذلك حكاية وإخباراً عن حالهم في الدّنيا لا تعلق به بمتعلق التمني. والوجه الثاني : أن هذا التمني قد تضمن معنى الخبر والعدة فإذا كانت سجية الإنسان شيئاً ثم تمنى ما يخالف السجية وما هو بعيد أن يقع منها، صح أن يكذب على تجوز نحو ليت الله يرزقني مالاً فأحسن إليك وأكافئك على صنيعك، فهذا متمن في معنى الواعد والمخبر فإذا رزقه الله مالاً ولم يحسن إلى صاحبه ولم يكافئه كذب وكان تمنيه في حكم من قال : إن رزقني الله مالاً كافأتك على إحسانك، ونحو قول رجل شرير بعيد من أفعال الطاعات : ليتني أحج وأجاهد وأقوم الليل، فيجوز أن يقال لهذا على تجوز كذبت أي أنت لا تصلح لفعل الخير ولا يصلح لك، والثاني من وجوه الرّفع أن يكون رفع ) وَلاَ نُكَذّبَ وَنَكُونَ ( على الاستئناف فأخبروا عن أنفسهم بهذا فيكون مندرجاً تحت القول أي قالوا : يا ليتنا نرد وقالوا : نحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فأخبروا أنهم يصدر عنهم ذلك على كل حال. فيصح على هذا تكذيبهم في هذا الإخبار ورجح سيبويه هذا الوجه وشبهه بقوله : دعني ولا أعود، بمعنى وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني. والثالث من وجوه الرّفع : أن يكون ) وَلاَ نُكَذّبَ وَنَكُونَ ( في موضع نصب على الحال، التقدير يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين، فيكون داخلاً قيداً في الرد المتمني وصاحب الحال هو الضمير المستكن في نرد ويجاب عن قوله ) وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( بالوجهين اللذين ذكرا في إعراب ) وَلاَ نُكَذّبَ وَنَكُونَ ( إذا كانا معطوفين على نرد. وحكي أن بعض القراء قرأ ) وَلاَ نُكَذّبَ ( بالنصب ) وَنَكُونَ ( بالرفع فالنصب عطف على مصدر متوهم والرفع في ) وَنَكُونَ ( عطف على ) نُرَدُّ ( أو على الاستئناف أي ونحن نكون وتضعف فيه الحال لأنه مضارع مثبت فلا يكون حالاً بالواو إلا على تأويل مبتدأ محذوف نحو نجوت، وأرهنهم مالكاً وأنا أرهنهم مالكاً والظاهر أنهم تمنوا الرّد من الآخرة إلى الدنيا. وحكى الطبري تأويلاً في الرّد وهو أنهم تمنوا أن يردوا من عذاب النار إلى الوقوف على النار التي وقفوا عليها فالمعنى : يا ليتنا نوقف هذا الوقوف غير مكذبين بآيات ربنا كائنين من المؤمنين، قال : ويضعف هذا التأويل من غير وجه يبطله، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ولا يصح أيضاً التكذيب في هذا التمني لأنه تمني ما قد مضى، وإنما يصح التكذيب الذي ذكرناه قبل هذا على تجوز في تمني المستقبلات ؛ انتهى. وأورد بعضهم هنا سؤالاً فقال : فإن قيل كيف يتمنون الرّد مع علمهم بتعذر حصوله، وأجاب بقوله : قلنا لعلهم لم يعلموا أن الرد لا يحصل، والثاني : أن العلم بعدم الرد لا يمنع من الإرادة كقوله :) يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ ( وأن أفيضوا علينا من الماء ). انتهى. ولا يرد هذا السؤال لأن التمني يكون في الممكن والممتنع بخلاف الترجّي فإنه لا يكون إلا في الممكن، فورد التمني هنا على الممتنع وهو أحد قسمي ما يكون التمني له في لسان العرب، والأصح أن ) ). انتهى. ولا يرد هذا السؤال لأن التمني يكون في الممكن والممتنع بخلاف الترجّي فإنه لا يكون إلا في الممكن، فورد التمني هنا على الممتنع وهو أحد قسمي ما يكون التمني له في لسان العرب، والأصح أن ) يا ( في قوله ) يا ليت ( حرف تنبيه لا حرف نداء والمنادى محذوف لأنّ في هذا حذف جملة النداء وحذف متعلقة رأساً وذلك إجحاف كثير.
الأنعام :( ٢٨ ) بل بدا لهم.....
( بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ( ) بَلِ ( هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما سبق، وهكذا يجيء في كتاب الله تعالى إذا كان ما بعدها من إخبار الله تعالى لا على سبيل الحكاية عن قوم، تكون ) بَلِ ( فيه للإضراب كقوله ) بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ( ومعنى ) بَدَأَ ( ظهر. وقال الزجاج :) بَلِ ( هنا استدراك وإيجاب نفي كقولهم : ما قام زيد بل قام عمرو ؛ انتهى. ولا أدري ما النفي الذي سبق حتى توجبه ) بَلِ ). وقال غيره :) بَلِ ( رد لما تمنوه أي ليس الأمر على ما قالوه ؛ لأنهم لم يقولوا ذلك رغبة في الإيمان بل قالوه إشفاقاً من العذاب وطمعاً في الرحمة ؛ انتهى. ولا أدري ما هذا الكلام،


الصفحة التالية
Icon