" صفحة رقم ١٣٤ "
وهي حالة القيام وهي حالة العجز عن المشي، فتراه يضطرب ولا ينهض للمشي كحالة الشيخ الهرم. ولجنبه حال أي : مضطجعاً، ولذلك عطف عليه الحالان، واللام على بابها عند البصريين والتقدير : ملقياً لجنبه، لا بمعنى على خلافاً لزاعمه. وذو الحال الضمير في دعانا، والعامل فيه دعانا أي : دعانا ملتبساً بأحد هذه الأحوال. وقال ابن عطية : ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان، والعامل فيه مس. ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل في دعانا، والعامل فيه دعا وهما معنيان متباينان. والضر : لفظ عام لجميع الأمراض. والرزايا في النفس والمال والأحبة، هذا قول اللغويين. وقيل : هو مختص برزايا البدن الهزال والمرض انتهى. والقول الأول قول الزجاج. وضعف أبو البقاء أن يكون لجنبه فما بعده أحوالاً من الإنسان والعامل فيها مس، قال : لأمرين : أحدهما : أنّ الحال على هذا واقع بعد جواب إذا وليس بالوجه. والثاني : أنّ المعنى كثرة دعائه في كل أحواله، لا على الضر يصيبه في كل أحواله، وعليه آيات كثيرة في القرآن انتهى. وهذه الثاني يلزم فيه من مسه الضر في هذه الأحوال دعاؤه في هذه الأحوال، لأنه جواب ما ذكرت فيه هذه الأحوال، فالقيد في حيز الشرط قيد في الجواب كما تقول : إذا جاءنا زيد فقيراً أحسنا إليه، فالمعنى : أحسنا إليه في حال فقره، فالقيد في الشرط قيد في الجزاء. ومعنى كشف الضر : رفعه وإزالته، كأنه كان غطاء على الإنسان ساتراً له. وقال صاحب النظم : وإذا مس الإنسان وصفه للمستقبل، وفلما كشف للماضي فهذا النظم يدل على أن معنى الآية : أنه هكذا كان فيما مضى وهكذا يكون في المستقبل، فدل ما في الآية من الفعل المستقبل على ما فيه من المعنى المستقبل، وما فيه من الفعل الماضي على ما فيه من المعنى الماضي انتهى. والمرور هنا مجاز عن المضي على طريقته الأول من غير ذكر لما كان عليه من البلاء والضر. وقال مقاتل : أعرض عن الدعاء. وقيل : مرّ عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه، كأنه لا عهد له به، وهذا قريب من القول الذي قبله. والجملة من قوله : كان لم يدعنا إلى ضر مسه في موضع الحال، أي إلى كشف ضر مسه. قال ابن عطية : وقوله مر، يقتضي أنّ نزولها في الكفار، ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر وعاص يعني الآية مر في إشراكه بالله وقلة توكله عليه انتهى. والكاف من كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك. وذلك إشارة إلى تزيين الإعراض عن الابتهال إلى الله تعالى عند كشف الضر وعدم شكره وذكره على ذلك، وزين مبني للمفعول، فاحتمل أن يكون الفاعل الله إمّا على سبيل الخلق ذلك واختراعه في قلوبهم كما يقول أهل السنة، وإما بتخليته وخذلانه كما تقول المعتزلة، أو الشيطان بوسوسته ومخادعته. قيل : أو النفس. وفسر المسرفون بالكافرين والكافر مسرف لتضييعه السعادة الأبدية بالشهوة الخسيسة المنقضية، كما يضيع المنفق ماله متجاوزاً فيه الحدَّ ما كانوا يعملون من الإعراض عن جناب الله وعن اتباع الشهوات.
( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذالِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِى الاْرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ( : هذا إخبار لمعاصري الرسول ( ﷺ ) ) وخطاب لهم بإهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر، على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار، والوعيد لهم، وضرب الأمثال، فكما فعل بهؤلاء، يفعل بكم. ولفظة لما مشعرة بالعلية، وهي حرف تعليق في الماضي. ومن ذهب إلى أنها ظرف معمول لأهلكنا كالزمخشري متبعاً لغيره، فإنما يدل إذْ ذاك على وقوع الفعل في حين الظلم، فلا يكون لها إشعار إذ ذاك بالعلية. لو قلت : جئت حين قام زيد، لم يكن مجيئك متسبباً عن قيام زيد، وأنت ترى حيثما جاءت لما كان جوابها أو ما قام مقامه متسبباً عما بعدها، فدل ذلك على صحة مذهب سيبويه من أنها حرف وجوب لوجوب. وجاءتهم ظاهرة أنه


الصفحة التالية
Icon