" صفحة رقم ١٥١ "
المراد نور العلم وروحه وبشره وبشارته، ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة، المراد منه ظلمة الجهل وكدورة الضلالة انتهى. وكثيراً ما ينقل هذا الرجل عن حكماء الإسلام في التفسير، وينقل كلامهم تارة منسوباً إليهم، وتارة مستنداً به ويعني : بحكماء الفلاسفة الذين خلقوا في مدة الملة الإسلامية، وهم أحق بأنْ يسمّوا سفهاء جهلاء من أن يسموا حكماء، إذ هم أعداء الأنبياء والمحرفون للشريعة الإسلامية، وهم أضر على المسلمين من اليهود والنصارى. وإذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن قراءة التوراة مع كونها كتاباً إلهياً، فلأنْ ينهى عن قراءة كلام الفلاسفة أحق. وقد غلب في هذا الزمان وقبله بقليل الاشتغال بجهالات الفلاسفة على أكثر الناس، ويسمونها الحكمة، ويستجهلون من عرى عنها، ويعتقدون أنهم الكملة من الناس، ويعكفون على دراستها، ولا تكاد تلقى أحداً منهم يحفط قرآناً ولا حديثاً عن رسول الله ( ﷺ ) ). ولقد غضضت مرة من ابن سينا ونسبته للجهل فقال لي بعضهم وأظهر التعجب من كون أحد يغض من ابن سينا : كيف يكون أعلم الناس بالله ينسب للجهل ؟ ولما ظهر من قاضي الجماعة أبي الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن أبي الوليد بن رشد الاعتناء بمقالات الفلاسفة والتعظيم لهم، أغرى به علمائ الإسلام بالأندلس المنصور منصور الموحدين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي ملك المغرب والأندلس حتى أوقع به ما هو مشهور من ضربه ولعنه وإهانته وإهانة جماعة منهم على رؤوس الإشهاد، وكان مما خوطب به المنصور في حقهم قول بعض العلماء الشعراء : خليفتنا جزاك الله خيرا
عن الإسلام والسعي الكريم
فحق جهاده جاهدت فيه
إلى أن فزت بالفتح العظيم
وصيرت الأنام بحسن هدى
على نهج الصراط المستقيم
فجاهد في أناس قد أضلوا
طريق الشرع بالعلم القديم
وحرق كتبهم شرقاً وغربا
ففيها كامناً شر العلوم
يدب إلى العقائد من أذاها
سموم والعقائد كالجسوم
وفي أمثالها إذ لا دواء
يكون السيف ترياق السموم
وقال : يا وحشة الإسلام من فرقة
شاغلة أنفسها بالسفه
قد نبذت دين الهدى خلفها
وادعت الحكمة والفلسفه
وقال : قد ظهرت في عصرنا فرقة
ظهورها شؤم على العصر
لا تقتدي في الدين إلا بما
سن ابن سينا أو أبو نصر
ولما حللت بديار مصر ورأيت كثيراً من أهلها يشتغلون بجهالات الفلاسفة ظاهراً من غير أن ينكر ذلك أحد