" صفحة رقم ٣٥٤ "
هذا التحريج يحتمل وجهين : أحدهما أنها لها عمد، ولا ترى تلك العمد، وهذا ذهب إليه مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس : وما يدريك أنها بعمد لا ترى ؟ وحكى بعضهم أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليه كالقبة. والوجه الثاني : أن يكون نفي العمد، والمقصود نفي الرؤية عن العمد، فلا عمد ولا رؤية أي : لا عمد لها فترى. والجمهور على أن السموات لا عمد لها البتة، ولو كان لها عمد لاحتاجت تلك العمد إلى عمد، ويتسلسل الأمر، فالظاهر أنها ممسكة بالقدرة الإلهية. ألا ترى إلى قوله تعالى :) وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ( ونحو هذا من الآيات. وقال أبو عبد الله الرازي : العماد ما يعتمد عليه، وهذه الأجسام واقفة في الحيز العالي بقدرة الله تعالى، فعمدها قدرة الله تعالى، فلها عماد في الحقيقة. إلا أن تلك العمد إمساك الله تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز العالي، وأنتم لا ترون ذلك التدبير، ولا تعرفون كيفية ذلك الإمساك انتهى. وعن ابن عباس : ليست من دونها دعامة تدعمها، ولا فوقها علاقة تمسكها. وأبعد من ذهب إلى أنّ ترونها خبر في اللفظ ومعناه الأمر أي : رها وانظروا هل لها من عمد ؟ وتقدم تفسير ) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ( قال ابن عطية : ثم هنا العطف الجمل لا للترتيب، لأنّ الاستواء على العرش قبل رفع السموات. وفي الصحيح عن النبي ( ﷺ ) ) أنه قال :( كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض ) انتهى. وسخر الشمس والقمر أي : ذللهما لما يريد منهما. وقيل : لمنافع العباد. وعبر بالجريان عن السير الذي فيه سرعة، وكل مضافة في التقدير، والظاهر أنّ المحذوف هو ضمير الشمس والقمر أي : كليهما يجري إلى أجل مسمى. وقال ابن عطية : والشمس والقمر في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب، ولذلك قال : كل يجري لأجل مسمى، أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر من المسخر، وكل لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة انتهى. وشرح كل بقوله أي : كل ما هو في معنى الشمس والقمر ما أخرج الشمس والقمر من ذكر جريانهما إلى أجل مسمى، وتحريره أن يقول على زعمه : إن الكواكب في ضمن ذكرهما أي، ومما هو في معناهما إلى أجل مسمى. وقال ابن عباس : منازل الشمس والقمر وهذ الحدود التي لا تتعداها، قدر لكل منهما سيراً خاصاً إلى جهة خاصة بمقدار خاص من السرعة والبطء. وقيل : الأجل المسمى هو يوم القيامة، فعند مجيئه ينقطع ذلك الجريان والتسيير كما قال تعالى :) إِذَا الشَّمْسُ كُوّرَتْ ( وقال : وجمع الشمس والقمر، ومعنى تدبير الأمر إنفاذه وإبرامه، وعبر بالتدبير تقريباً للإفهام، إذ التدبير إنما هو النظر في إدبار الأمور وعواقبها وذلك من صفات البشر، والأمر أمر ملكوته وربوبيته، وهو عام في جميع الأمور من إيجاد وإعدام وإحياء وإماتة وإنزال وحي وبعث رسل وتكليف وغير ذلك. وقال مجاهد : يدبر الأمر يقضيه وحده، ويفصل الآيات يجعلها فصولاً مبينة مميزاً بعضها من بعض. والآيات هنا دلائله وعلاماته في سمواته على وحدانيته، أو آيات الكتب المنزلة، أو آيات القرآن أقوال.
وقرأ النخعي، وأبو رزين، وابان بن ثعلب، عن قتادة : تدبر الأمر نفصل بالنون فيهما، وكذا قال أبو عمرو الداني عن الحسن فيهما، وافق في نفصل بالنون الخفاف، وعبد الواحد عن أبي عمرو، وهبيرة عن حفص. وقال صاحب اللوامح : جاء عن الحسن والأعمش نفصل بالنون فقط. وقال المهدوي : لم يختلف في يدبر، أو ليس كما قال ؟ إذ قد تقدمت قراءة ابان. ونقل الداني عن الحسن : والذي تقتضيه الفصاحة أن هاتين الجملتين استفهام إخبار عن الله تعالى. وقيل : يدبر حال من الضمير في وسخر، ونفصل حال من الضمير في يدبر، والخطاب في لعلكم للكفرة، وتوقنون بالجزاء أو بأنّ هذا المدبر والمفصل لا بد لكم من الرجوع إليه.
( وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الاْرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ ( : لما قرر الدلائل السماوية أردفها بتقرير الدلائل الأرضية. ومد الأرض : بسطها طولاً وعرضاً ليمكن التصرف فيها، والاستقرار عليها. قيل : مدها ودحاها من مكة من تحت البيت، فذهبت كذا وكذا. وقيل : كانت مجتمعة عند بيت المقدس فقال لها : اذهبي