" صفحة رقم ٣٥٧ "
أي نخيل جنة إذ لا يوصف بالسحق إلا النخل. ومن خفض الزرع فالجنات من مجموع ذلك لا من الزرع وحده، لأنه لا يقال للمزرعة جنة إلا إذا خالطها ثمرات. وقرأ الجمهور : صنوان بكسر الصاد فيهما، وابن مصرف والسلمي وزيد بن علي : بضمها، والحسن وقتادة بفتحها، وبالفتح هو اسم للجمع، كالسعدان. وقرأ عاصم، وابن عامر، وزيد بن علي : يسقى بالياء، أي : يسقى ما ذكر. وباقي السبعة بالتاء، وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وأهل مكة. أنثوا لعود الضمير على لفظ ما تقدم، ولقوله : ونفضل بالنون. وحمزة والكسائي بالياء، وابن محيصن بالياء في تسقي، وفي نفضل. وقرأ يحيى بن يعمر، وأبو حيوة، والحلبي عن عبد الوارث : ويفضل بالياء، وفتح الضاد بعضها بالرفع. قال أبو حاتم : وجدته كذلك في مصحف يحيى بن يعمر، وهو أول من نقط المصاحف. وتقدم في البقرة خلاف القراء في ضم الكاف من الأكل وسكونها. والأكل بضم الهمزة المأكول كالنقض بمعنى المنقوض، وبفتحها المصدر. والظاهر من تفسير أكثر المفسرين للصنوان أن يكون قوله : صنوان، صفة لقوله : ونخيل. ومن فسره منهم بالمثل جعله وصفاً لجميع ما تقدم أي : أشكال، وغيره إشكال. قيل : ونظير هذه الكلمة قنو وقنوان، ولا يوجد لهما ثالث ونص على العنوان لأنها بمثال التجاور في القطع، فظهر فيها عرابة اختلاف الأكل. ومعنى بماء واحد : ماء مطر، أو ماء بحر، أو ماء نهر، أو ماء عين، أو ماء نبع لا يسيل على وجه الأرض. وخص التفضيل في الأكل وإن كانت متفاضلة في غيره، لأنه غالب وجوه الانتفاع من الثمرات. ألا ترى إلى تقاربها في الأشكال، والألوان، والروائح، والمنافع، وما يجري مرجى ذلك ؟ قيل : نبه الله تعالى في هذه الآية على قدرته وحكمته، وأنه المدبر للأشياء كلها، وذلك أن الشجرة تخرج أغصانها وثمراتها في وقت معلوم لا تتأخر عنه ولا تتقدم، ثم يتصعد الماء في ذلك الوقت علواً علواً وليس من طبعه إلا التسفل، يتفرق ذلك الماء في الورق والأغصان والثمر كل بقسطه وبقدر ما فيه صلاحه، ثم تختلف طعوم الثمار والماء واحد، والشجر جنس واحد. وكل ذلك دليل على مدبر دبره وأحكمه، لا يشبه المخلوقات. قال الراجز : والأرض فيها عبرة للمعتبر
تخبر عن صنع مليك مقتدر
تسقى بماء واحد أشجارها
وبقعة واحدة قرارها
والشمس والهواء ليس يختلف
وأكلها مختلف لا يأتلف
لو أن ذا من عمل الطبائع
أو أنه صنعة غير صانع
لم يختلف وكان شيئاً واحدا
هل يشبه الأولاد إلا الوالدا
الشمس والهواء يا معاند
والماء والتراب شيء واحد
فما الذي أوجب ذا التفاضلا
إلا حكيم لم يرده باطلا
. وقال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم، كانت الأرض طينة واحدة فسطحها، فصارت قطعاً متجاورات، فنزل عليها ماء واحد من السماء فتخرج هذه زهرة وثمرة، وتخرج هذه سبخة وملحاً وخبثاً وكذلك الناس خلقوا من آدم. فنزلت عليهم من السماء مذكرة، قربت قلوب وخشعت قلوب، وقست قلوب ولهت قلوب. وقال الحسن : ما جالس أحد القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان. قال تعالى :) وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (، وهو شبيه بكلام الصوفية. إن في ذلك قال ابن عباس : في اختلاف الألوان والروائح والطعوم، لآيات : لحججاً ودلالات لقوم يعقلون : يعلمون الأدلة فيستدلون بها على وحدانية الصانع القادر. ولما كان الاستدلال في هذه الآية بأشياء في غاية الوضوح من مشاهدة تجاور القطع، والجنات وسقيها وتفضيلها، جاء ختمها بقوله : لقوم يعقلون، بخلاف الآية التي قبلها، فإن الاستدلال بها يحتاج إلى