" صفحة رقم ٣٦٤ "
المعذرون، فلا يتعين أن يكون أصله المعتذرون، وقد تقدم في براءة توجيهه، وأنه لا يتعين ذلك فيه. وأما قوله : ويجوز معقبات بكسر العين، فهذا لا يجوز لأنه بناه على أن أصله معتقبات، فأدغمت التاء في القاف. وقد ذكرنا أن ذلك وهم فاحش، والمعقبات جمع معقبة. وقيل : الهاء في معقبة للمبالغة، فيكون كرجل نسابة. وقيل : جمع معقبة، وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى، جمعت باعتبار كثرة الجماعات، ومعقبة ليست جمع معقب كما ذكر الطبري. وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات، وليس الأمر كما ذكر، لأنّ ذلك كجمل وجمال وجمالات، ومعقبة ومعقبات إنما هي كضارب وضاربات قاله : ابن عطية. وينبغي أن يتأول كلام الطبري على أنه أراد بقوله : جمع معقب، أنه أطلق من حيث الاستعمال على جمع معقب وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث معقب، وصار مثل الواردة للجماعة الذين يردون، وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث وارد، من حيث أنْ يجمع جموع التكسير للعامل يجوز أن يعامل معاملة المفردة المؤنثة في الأخبار. وفي عود الضمير لقوله : العلماء قائلة كذا، وقولهم الرجال وأعضادها، وتشبيه الطبري ذلك برجل ورجالات من حيث المعنى، لا من حيث صناعة النحويين، فبين أنّ معقبة من حيث أريد به الجمع كرجال من حيث وضع للجمع، وأن معقبات من حيث استعمل جمعاً لمعقبة المستعمل للجمع كرجالات الذي هو جمع رجال. وقرأ عبيد بن زياد على المنبر له المعاقب، وهي قراءة أبي وإبراهيم. وقال الزمخشري : وقرىء له معاقيب. قال أبو الفتح : هو تكسير معقب بسكون العين وكسر القاف، كمطعم ومطاعم، ومقدم ومقاديم، وكان معقباً جمع على معاقبة، ثم جعلت الياء في معاقيب عوضاً من الهاء المحذوفة في ممعاقبة. وقال الزمخشري : جمع معقب أو معقبة، والياء عوض من حذف أحد القافين في التكسير. وقرىء له معتقبات من اعتقب. وقرأ أبي من بين يديه، ورقيب من خلفه. وقرأ ابن عباس : ورقباء من خلفه، وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ معقبات من خلفه، ورقيب من بين يديه. وينبغي حمل هذه القراآت على التفسير، لا أنها قرآن لمخالفتها سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون. والظاهر أن قوله تعالى : من أمر الله متعلق بقوله : يحفظونه. قيل : مِن للسبب كقولك : كسرته من عرى، ويكون معناها ومعنى الباء سواء، كأنه قيل : يحفظونه بأمر الله وبإذنه، فحفظهم إياه متسبب عن أمر الله لهم بذلك. قال ابن جريج : يحفظون عليه عمله، فحذف المضاف. وقال قتادة : يكتبون أقواله وأفعاله. وقراءة علي، وابن عباس، وعكرمة، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد : يحفظونه بأمر الله، يؤيد تأويل السببية في من وفي هذا التأويل. قال الزمخشري : يحفظونه من أجل أمر الله تعالى أي : من أجل أن الله تعالى أمرهم بحفظه. وقال ابن عطية، وقتادة : معنى من أمر الله، بأمر الله أي : يحفظونه بما أمر الله، وهذا تحكم في التأويل انتهى. وليس بتحكم وورود من للسبب ثابت من لسان العرب. وقيل : يحفظونه من بأس الله ونقمته كقولك : حرست زيداً من الأسد، ومعنى ذلك : إذا أذن الله لهم في دعائهم أن يمهله رجاء أن يتوب عليه وينيب كقوله تعالى :) قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ( يصير معنى الكلام إلى التضمين أي : يدعون له بالحفظ من نقمات الله رجاء توبته. ومن جعل المعقبات الحرس، وجعلها في رؤساء الكفار فيحفظونه معناه : في زعمه وتوهمه من هلاك الله، ويدعون قضاءه في ظنه، وذلك لجهالته بالله تعالى، أو يكون ذلك على معنى التهلك به، وحقيقة التهكم هو أن يخبر بشيء ظاهره مثلاً الثبوت في ذلك الوصف، وفي الحقيقة هو منتصف، ولذلك حمل بعضهم يحفظونه على أنه مراد به : لا يحفظونه، فحذف لا. وعلى هذا التأويل في من تكون متعلقة كما ذكرنا بيحفظونه، وهي في موضع نصب. وقال الفراء وجماعة : في الكلام تقديم وتأخير أي : له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. وروي هذا عن مجاهد، والنخعي، وابن جريج، فيكون من أمر الله في موضع رفع لأنه صفة لمرفوع، ويتعلق إذ ذاك بمحذوف أي : كائنة من أمر الله تعالى، ولا يحتاج في هذا المعنى إلى تقدير تقديم وتأخير، بل وصفت المعقبات بثلاث صفات في الظاهر : أحدها : من بين يديه ومن خلفه أي : كائنة من بين يديه. والثانية : يحفظونه أي :


الصفحة التالية
Icon