" صفحة رقم ٣٩٥ "
الاعتزال والجمهور على تفسير قوله : بآياتنا، إنها تسع الآيات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام. وقيل : يجوز أن يراد بها آيات التوراة، والتقدير : كما أرسلناك يا محمد بالقرآن بلسان عربي وهو آياتنا، كذلك أرسلنا موسى بالتوارة بلسان قومه، وأن أخرج يحتمل أن أن تكون تفسيرية، وأن تكون مصدرية، ويضعف زعم من زعم أنها زائدة. وفي قوله : قومك خصوص لرسالته إلى قومه، بخلاف لتخرج الناس، والظاهر أنّ قومه هم بنو إسرائيل. وقيل : القبط. فإن كانوا القبط فالظلمات هنا الكفر، والنور الإيمان، وإن كانوا بني إسرائيل وقلنا : إنهم كلهم كانوا مؤمنين، فالظلمات ذل العبودية، والنور العزة بالدين وظهور أمر الله. وإن كانوا أشياعاً متفرقين في الدين، قوم مع القبط في عبادة فرعون، وقوم على غير شيء، فالظلمات الكفر والنور الإيمان. قيل : وكان موسى مبعوثاً إلى القبط وبني إسرائيل. وقيل : إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله، وأن لا يشرك به، والإيمان بموسى، وأنه نبي من عند الله، وإلى بني إسرائيل بالتكليف وبفروع شريعته إذ كانوا مؤمنين. ويحتمل وذكرهم أن يكون أمراً مستأنفاً، وأن يكون معطوفاً على أن أخرج، فيكون في خبر وان. وأيام الله قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة : نعم الله عليهم، ورواه أبي مرفوعاً. ومنه قول الشاعر : وأيام لنا غرّ طوال
عصينا الملك فيها إن ندينا
وعن ابن عباس أيضاً، ومقاتل، وابن زيد : وقائعه ونقماته في الأمم الماضية، ويقال : فلان عالم بأيام العرب أي وقائعها وحروبها وملاحمها : كيوم ذي قار، ويوم الجار، ويوم فضة وغيرها. وروي نحوه عن مالك قال : بلاؤه. وقال الشاعر :
وأيامنا مشهورة في عدوناا
أي وقائعنا. وعن ابن عباس أيضاً : نعماؤه وبلاؤه، واختاره الطبري، فنعماؤه : بتظليله عليهم الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وفلق البحر. وبلاؤه : باستعباد رعون لهم، وتذبيح أبنائهم، وإهلاك القرون قبلهم. وفي حديث أبيّ في قصة موسى والخضر عليهما السلام بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله بلاؤه ونعماؤه، واختار الطبري هذا القول الآخر. ولفظة الأيام تعم المعنيين، لأنّ التذكير يقع بالوجهين جميعاً. وفي هذه اللفظة تعظيم الكوائن المذكر بها. وغبر عنها بالظرف الذي وقعت فيه. وكثيراً ما يقع الإسناد إلى الظرف، وفي الحقيقة الإسناد لغيرها كقوله : بل مكر الليل والنهار، ومن ذلك قولهم : يوم عبوس، ويوم عصيب، ويوم بسام. والحقيقة وصف ما وقع فيه من شدّة أو سرور. والإشارة بقوله : إن يف ذلك، إلى التذكير بأيام الله. وصبار، شكور، صفتا مبالغة، وهما مشعرتان بأنّ أيام الله المراد بهما بلاؤه ونعماؤه أي : صبار على بلائه، شكور لنعمائه. فإذا سمع بما أنزل الله من البلاء على الأمم، أو بما أفاض عليهم من النعم، تنبه على ما يجب عليه من الصبر إذا أصابه بلاء، من والشكر إذا أصابته نعماء، وخص الصبار والشكر لأنهما هما اللذان ينتفعان بالتذكير والتنبيه ويتعظان به. وقيل : أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه، لأنّ الصبر والشكر من سجايا أهل الإيمان.