" صفحة رقم ٣٩٥ "
الاشتقاق على ما يكون يطوف بالشيء وأقل ما يتصور ذلك فيه ثلاثة وهي صفة غالبة لأنها الجماعة الحافة بالشيء. وعن ابن عباس وابن زيد في تفسيرها أربعة إلى أربعين. وعن الحسن : عشرة. وعن قتادة والزهري : ثلاثة فصاعداً. وعن عكرمة وعطاء : رجلان فصاعداً وهو مشهور قول مالك. وعن مجاهد : الواحد فما فوقه واستعمال الضمير الذي للجمع عائداً على الطائفة في كلام العرب دليل على أنه يراد بها الجمع وذلك كثير في القرآن.
النور :( ٣ ) الزاني لا ينكح.....
( الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ( الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره، ومعنى ) لاَ يَنكِحُ ( لا يطأ وزاد ) المشركة ( في التقسيم، فالمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلاّ زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة، والنكاح بمعنى الجماع مروي عن ابن عباس هنا. وقال الزمخشري : وقيل المراد بالنكاح الوطء وليس بقول لأمرين. أحدهما : أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم يرد بها إلاّ معنى العقد. والثاني : فساد المعنى وأداؤه إلى قولك الزاني لا يزني إلاّ بزانية، والزانية لا تزني إلا بزان انتهى. وما ذكره من الأمر الأول أخذه من الزجاج قال : لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج وليس كما قال، وفي القرآن حتى تنكح زوجاً غيره، وبيِّن الرسول ( ﷺ ) ) أنه بمعنى الوطء. وأما الأمر الثاني فالمقصود به تشنيع الزنا وتشنيع أمره وأنه محرم على المؤمنين. وقال الزمخشري : وأخذه من الضحاك وحسنه الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا، والخبث لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته، وإنما يرغب في فاسقه خبيثة من شكله، أو في مشركة. والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة والمشركين، ونكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم محظور لما فيه من التشبه بالفساق، وحضور. موقع التهمة والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة وأنواع المفاسد ومجالسة الخطائين، كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب وإقدامه على ذلك انتهى.
وعن ابن عمر وابن عباس وأصحابه أنها في قوم مخصوصين كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كن من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن، فنزلت الآية بسببهن والإشارة بالزاني إلى أحد أولئك أطلق عليه اسم الزنا الذي كان في الجاهلية وقوله ) الزَّانِى لاَ يَنكِحُ ( أي لا يتزوج، وعلى هذين التأويلين فيه معنى التفجع عليهم وفيه توبيخ كأنه يقول : الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة، أي تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم، ويرد على هذين التأويلين الإجماع على أن الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك في قومه ) وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ). أي نكاح أولئك البغايا، فيزعم أهل هذين التأويلين أن نكاحهن حرمه الله على أمّة محمد ( ﷺ ) ).
وقال الحسن : المراد الزاني المحدود، والزانية المحدودة قال : وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلاّ زانية. وقد روي أن محدوداً تزوج غير محدودة فردّ عليّ بن أبي طالب نكاحها. ) وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( يريد الزنا. وروى الزهراني في هذا حديثاً من طريق أبي هريرة أن رسول الله ( ﷺ ) ) قال :( لا ينكح الزاني المحدود إلاّ مثله ). قال ابن عطية : وهذا حديث لا يصح، وقول فيه نظر، وإدخال المشرك في الآية يرده وألفاظ الآية تأباه وإن قدرت المشركة بمعنى الكتابية فلا حيلة في لفظ المشرك انتهى. وقال ابن المسيب : هذا حكم كان في الزناة عام أن لا يتزوج زان إلاّ زانية، ثم جاءت الرخصة ونسخ ذلك بقوله ) وَأَنْكِحُواْ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ( وقوله ) فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَاء ( وروي ترتيب هذا النسخ عن مجاهد إلاّ أنه قال : حرم نكاح أولئك البغايا النفر. قال ابن عطية : وذكر الإشراك في الآية يضعف هذه المناحي انتهى.
وعن الجبائي إنها منسوخة بالإجماع، وضعف بأنه ثبت في أصول الفقه أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، وتلخص من هذه الأقوال أن