" صفحة رقم ٤٢٤ "
بعنق بعض. وذلك باتصال الضمائر لشيء واحد، ويكون هذا التشبيه مطابقاً لأعمالهم من حيث أنهم اعتقدوها نافعة فلم تنفعهم وحصل لهم الهلاك بأثر ما حوسبوا. وأما في قول الزمخشري : فإنه وإن جعل الضمائر للظمآن لكنه جعل ) الظَّمْانُ ( هو الكافر وهو تشبيه الشيء بنفسه كما قال. وشبه الماء بعد الجهد بالماء. وأما في قول غيره : ففيه تفكيك الكلام إذ غاير بين الضمائر وانقطع ترصيف الكلام بجعل بعضه مفلتاً من بعض.
النور :( ٤٠ ) أو كظلمات في.....
( أَوْ كَظُلُمَاتٍ ( هذا التشبيه الثاني لأعمالهم فالأول فيما يؤول إليه أعمالهم في الآخرة، وهذا الثاني فيما هم عليه في حال الدنيا. وبدأ بالتشبيه الأول لأنه آكد في الإخبار لما فيه من ذكر ما يؤول إليه أمرهم من العقاب الدائم والعذاب السرمدي. ثم أتبعه بهذا التمثيل الذي نبههم على ما هي أعمالهم عليه لعلهم يرجعون إلى الإيمان ويفكرون في نور الله الذي جاء به الرسول ( ﷺ ) )، والظاهر أنه تشبيه لأعمالهم وضلالهم بالظلمات المتكاثفة.
وقال أبو علي الفارسي : التقدير أو كذي ظلمات، قال : ودل على هذا المضاف قوله ) إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ ( فالكناية تعود إلى المضاف المحذوف، فالتشبيه وقع عند أبي عليّ للكافر لا للأعمال وهو خلاف الظاهر، ويتخيل في تقرير كلامه أن يكون التقدير أو هم كذي ظلمات فيكون التشبيه الأول لأعمالهم. والثاني لهم في حال ضلالهم. وقال أبو البقاء : في التقدير وجهان أحدهما : أو كأعمال ذي ظلمات، فيقدر ذي ظلمات ليعود الضمير من قوله ) إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ ( إليه، ويقدر أعمال ليصح تشبيه أعمال الكفار بأعمال صاحب الظلمة إذ لا معنى لتشبيه العمل بصاحب الظلمات. والثاني : لا حذف فيه، والمعنى أنه شبه أعمال الكفار بالظلمة في حيلولتها بين القلب وبين ما يهتدى إليه، فأما الضمير في قوله ) إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ ( فيعود إلى مذكور حذف اعتماداً على المعنى تقديره إذا أخرج من فيها يده.
وقال الجرجاني : الآية الأولى في ذكر أعمال الكفار. والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على أعمالهم لأن الكفر أيضاً من أعمالهم، وقد قال تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور. من الكفر إلى الإيمان، فيكون التمثيل قد وقع لأعمالهم بكفر الكافر و ) أَعْمَالَهُمْ ( منها كفرهم، فيكون قد شبه ) أَعْمَالَهُمْ ( بالظلمات، والعطف بأو هنا لأنه قصد التنويع والتفصيل لا أن ) أَوْ ( للشك. وقال الكرماني :) أَوْ ( للتخيير على تقدير شبه أعمال الكفار بأيهما شئت.
وقرأ سفيان بن حسين ) أَوْ كَظُلُمَاتٍ ( بفتح الواو جعلها واو عطف تقدّمت عليها الهمزة التي لتقرير التشبيه الخالي عن محض الاستفهام. والظاهر أن الضمير في ) يَغْشَاهُ ( عائد على ) بَحْرٍ لُّجّىّ ( أي يغشى ذلك البحر أي يغطي بعضه بعضاً، بمعنى أن تجيء موجة تتبعها أخرى فهو متلاطم لا يسكن، وأخوف ما يكون إذا توالت أمواجه، وفوق هذا الموج ) سَحَابٌ ( وهو أعظم للخوف لإخفائه النجوم التي يهتدى بها، وللريح والمطر الناشئين مع السحاب. ومن قدر أو كذي ظلمات أعاد الضمير في ) يَغْشَاهُ ( على ذي المحذوف، أي يغشى صاحب الظلمات.
وقرأ الجمهور ) سَحَابٌ ( بالتنوين ) ظُلُمَاتِ ( بالرفع على تقدير خبر لمبتدأ محذوف، أي هذه أو تلك ) ظُلُمَاتِ ( وأجاز الحوفي أن تكون مبتدأ و ) بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ( مبتدأ وخبره في موضع خبر ) ظُلُمَاتِ ). والظاهر أنه لا يجوز لعدم المسوغ فيه للابتداء بالنكرة إلاّ إن قدرت صفة محذوفة أي ظلمات كثيرة أو عظيمة ) بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ). وقرأ البزي ) سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ ( بالإضافة. وقرأ قنبل ) سَحَابٌ ( بالتنوين ) ظُلُمَاتِ ( بالجر بدلاً من ) ظُلُمَاتِ ( و ) بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ( مبتدأ وخبر في موضع الصفة لكظلمات.
قال الحوفي : ويجوز على رفع ) ظُلُمَاتِ ( أن يكون ) بَعْضَهَا ( بدلاً منها، وهو لا يجوز من جهة المعنى لأن المراد والله أعلم الأخبار بأنها ظلمات، وأن بعض تلك الظلمات فوق بعض أي هي ظلمات متراكمة وليس على الأخبار بأن بعض ظلمات فوق بعض من غير إخبار بأن تلك الظلمات السابقة ظلمات متراكمة. وتقدم الكلام في كاد إذا دخل عليها حرف نفي مشبعاً في البقرة في قوله ) وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ( فأغنى عن إعادته، والمعنى هنا انتفاء مقاربة الرؤية، ويلزم من ذلك انتفاء الرؤية ضرورة وقول من اعتقد زيادة يكد أو أنه يراها بعد عسر ليس بصحيح، والزيادة قول ابن الأنباري وأنه لم يرها إلاّ بعد الجهد قول المبرد والفراء.
وقال ابن عطية ما معناه : إذا كان الفعل بعد كان منفياً دل على ثبوته نحو كاد


الصفحة التالية
Icon