" صفحة رقم ٤٢٥ "
زيد لا يقوم، أو مثبتاً دل على نفيه كاد زيد يقوم، وإذا تقدم النفي على كاد احتمل أن يكون منفياً تقول : المفلوخ لا يكاد يسكن فهذا تضمن نفي السكون. وتقول : رجل منصرف لا يكاد يسكن فهذا تضمن إيجاب السكون بعد جهد انتهى. والظاهر أن هذا التشبيه الثاني هو تشبيه أعمال الكفار بهده الظلمات المتكاثفة من غير مقابلة في المعنى بأجزائه لا جزاء المشبه.
قال الزمخشري : وشبهها يعني أعماله في ظلمتها وسوادها لكونا باطلة، وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لجج البحر والأمواج والسحاب، ومنهم من لاحظ التقابل فقال : الظلمات الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة. والبحر اللجيّ صدر الكافر وقلبه، والموج الضلال والجهالة التي غمرت قلبه والفكر المعوجة والسحاب شهوته في الكفر وإعراضه عن الإيمان.
وقال الفراء : هذا مثل لقلب الكافر أي إنه يعقل ولا يبصر. وقيل :) الظُّلُمَاتِ ( أعماله والبحر هواه. القيعان القريب الغرق فيه الكثير الخطر، والموج ما يغشى قلبه من جهل وغفلة، والموج الثاني ما يغشاه من شك وشبهة، والسحاب ما يغشاه من شرك وحيرة فيمنعه من الاهتداء على عكس ما في مثل نور الدين انتهى. والتفسير بمقابلة الأجزاء شبيه بتفسير الباطنية، وعدول عن منهج كلام العرب.
ولما شبه أعمال الكفار بالظلمات المتراكمة وذكر أنه لا يكاد يرى اليد من شدة الظلمة قال ) وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً ( أي من لم ينور قلبه بنور الإيمان ويهده إليه فهو في ظلمة ولا نور له، ولا يهتدي أبداً. وهذا النور هو في الدنيا. وقيل : هو في الآخرة أي من لم ينوره الله بعفوه ويرحمه برحمته له، وكونه في الدنيا أليق بلفظ الآية وأيضاً فذلك متلازم لأن نور الآخرة هو لمن نور الله قلبه في الدنيا. وقال الزمخشري : ومن لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له. وهذا الكلام مجراه مجرى الكنايات لأن الألطاف إنما نردف الإيمان والعمل الصالح أو كونهما مرتقبين، ألا ترى إلى قوله ) وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ( وقوله ) وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ( انتهى. وهو على طريقة الاعتزال.
٢ ( ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَالطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاٌّ بْصَارِ يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذالِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِى الاٌّ بْصَارِ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ لَّقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ) ) ٢
النور :( ٤١ ) ألم تر أن.....
لما ذكر تعالى مثل المؤمن والكافر وأن الإيمان والضلال أمرهما راجع إليه أعقب بذكر الدلائل على قدرته وتوحيده، والظاهر حمل التسبيح على حقيقته وتخصيص ) مِنْ ( في قوله ومن في الأرض بالمطيع لله تعالى من الثقلين. وقيل :) مِنْ ( عام لكل موجود غلب من يعقل على ما لا يعقل، فأدرج ما لا يعقل فيه ويكون المراد بالتسبيح دلالته بهده الأشياء على كونه تعالى منزهاً عن النقائص موصوفاً بنعوت الكمال. وقيل : المراد بالتسبيح التعظيم فمن ذي الدين بالنطق والصلاة ومن غيرهم من مكلف وجماد بالدلالة، فيكون ذلك قدراً مشتركاً بينهما وهو التعظيم. وقال سفيان : تسبيح كل شيء بطاعته وانقياده.
( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ( أي صفت أجنحتها في الهواء للطيران، وإنما خص الطير بالذكر لأنها تكون بين السماء والأرض إذا طارت فهي خارجة من جملة ) مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( حالة طيرانها. وقرأ الجمهور ) وَالطَّيْرُ ( مرفوعاً عطفاً على ) مِنْ ( و ) صَافَّاتٍ ( نصب على الحال. وقرأ الأعرج ) وَالطَّيْرُ ( بالنصب على أنه مفعول معه. وقرأ الحسن وخارجة عن نافع ) وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ( برفعهما مبتدأ وخبر تقديره يسبحن. قيل : وتسبيح الطير حقيقي قاله الجمهور. قال الزمخشري : ولا يبعد أن يلهم الله الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها. وقال الحسن وغيره : هو تجوّز إنما تسبيحه ظهور الحكمة فيه فهو لذلك يدعو إلى التسبيح.
( كُلٌّ ( أي كل ممن ذكر، فيشمل الطير والظاهر أن الفاعل المستكن في ) عِلْمٍ ( وفي