" صفحة رقم ١٢٠ "
فقل لبني مروان ما بال ذمتي
بحبل ضعيف لا يزال يوصل
وهذه الأقوال معناها : توصيل المعاني فيه بها إليهم. وقالت فرقة : التوصيل بالنسبة إلى الألفاظ، أي وصلنا لهم قولاً معجزاً دالاً على نبوتك. وأهل الكتاب هنا جماعة من اليهود أسلمت، وكان الكفار يؤذونهم. أو بحيرا الراهب، أو النجاشي، أو سلمان الفارسي. وابن سلام، وأبو رفاعة، وابنه في عشرة من اليهود أسلموا. أو أربعون من أهل الإنجيل كانوا مؤمنين بالرسول قبل مبعثه، اثنان وثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب، وثمانية قدموا من الشام : بحيرا، وأبرهة، وأشرف، وأربد، وتمام، وإدريس، ونافع، ورادأ ابن سلام، وتميم الداري، والجارود العبدي، وسلمان، سبعة أقوال آخرها لقتادة. والظاهر أنها أمثلة لمن آمن منهم، والضمير في به عائد على القول، وهو القرآن. وقال الفراء : عائد على الرسول، وقال أيضاً : إن عاد على القرآن، كان صواباً، لأنهم قد قالوا : إنه الحق من ربنا. انتهى.
( إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبّنَا ( : تعليل للإيمان به، لأن كونه حقاً من الله حقيق بأن نؤمن به. ) إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ( : بيان لقوله :) بِهِ إِنَّهُ (، أي إيماننا به متقادم، إذ كان الآباء الأقدمون إلى آبائنا قرأوا ما في الكتاب الأول، وأعلموا بذلك الأبناء، فنحن مسلمون من قبل نزوله وتلاوته علينا، والإسلام صفة كل موحد مصدق بالوحي. وإيتاء الأجر مرتين، لكونه آمن بكتابه وبالقرآن ؛ وعلل ذلك بصبرهم : أي على تكاليف الشريعة السابقة لهم، وهذه الشريعة وما يلقون من الأذى. وفي الحديث :( ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي )، الحديث. ) ويدرأون ( : يدفعون، ( وَيَدْرَءونَ بِالْحَسَنَةِ ( : بالطاعة، ( السَّيّئَةُ ( : المعصية المتقدمة، أو بالحلم الأذى، وذلك من مكارم الأخلاق. وقال ابن مسعود : يدفعون بشهادة أن لا إله إلاّ الله الشرك. وقال ابن جبير : بالمعروف المنكر. وقال ابن زيد : بالخير الشر. وقال ابن سلام : بالعلم الجهل، وبالكظم الغيظ. وفي وصية الرسول ( ﷺ ) )، لمعاذ :( أتبع السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ). و ) اللَّغْوَ ( : سقط القول. وقال مجاهد : الأذى والسب. وقال الضحاك : الشرك. وقال ابن زيد : ما غيرته اليهود من وصف الرسول، سمعه قوم منهم، فكرهوا ذلك وأعرضوا. ) وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ( : خطاب لقائل اللغو المفهوم ذلك من قوله :) وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ ).
) سَلَامٌ عَلَيْكُمُ (، قال الزجاج : سلام متاركة لإسلام تحية. ) لاَ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ ( : أي لا نطلب مخالطتهم. ) إِنَّكَ لاَ تَهْدِى ( من أحببت : أي لا تقدر على خلق الهداية فيه، ولا تنافي بين هذا وبين قوله :) وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ (، لأن معنى هذا : وإنك لترشد. وقد أجمع المسلمون على أنها نزلت في أبي طالب، وحديثه مع رسول الله ( ﷺ ) )، حالة أن مات، مشهور. وقال الزمخشري : لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت، لأنك لا تعلم المطبوع على قلبه من غيره، ولكن الله يدخل في الإسلام من يشاء، وهو الذي علم أنه غير مطبوع على قلبه، وأن الألطاف تنفع فيه، فتقرب به ألطافه حتى يدعوه إلى القبول. ) وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( : بالقابلين من الذين لا يقبلون. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال في أمر الألطاف. وقالوا : الضمير في وقالوا لقريش. وقيل، القائل الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف : إنك على الحق، ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب، فذلك وإنما نحن أكلة رأس، أي قليلون أن يتخطفونا من أرضنا.
وقولهم :) الْهُدَى مَعَكَ ( : أي على زعمك، فقطع الله حجتهم، إذ كانوا، وهم كفار بالله، عباد أصنام قد أمنوا في حرمهم، والناس في غيره يتقاتلون، وهم مقيمون في بلد غير


الصفحة التالية
Icon