" صفحة رقم ١٢١ "
ذي زرع، يجيء إليهم ما يحتاجون من الأقوات، فكيف إذا آمنوا واهتدوا ؟ فهو تعالى يمهد لهم الأرض ويملكهم الأرض، كما وعدهم تعالى، ووقع على وعد به ؛ ووصف الحرم بالأمن مجاز، إذ الآمنون فيه هم ساكنوه. و ) ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء ( : عام مخصوص، يراد به الكثرة. وقرأ المنقري : يتخطف، برفع الفاء، مثل قوله تعالى :) أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ (، برفع الكاف، أي فيدرككم، أي فهو يدرككم. وقوله : من يفعل الحسنات الله يشكرها : أي فيتخطف، وفالله يشكرها، وهو تخريج شذوذ. وقرأ نافع وجماعة، عن يعقوب ؛ وأبو حاتم، عن عاصم : تجبى، بتاء التأنيث، والباقون بالياء. وقرأ الجمهور : ثمرات، بفتحتين ؛ وأبان بن تغلب : بضمتين ؛ وبعضهم : بفتح الثاء وإسكان الميم. وانتصب رزقاً على أنه مصدر من المعنى، لأن قوله :) يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ ( : أي برزق ثمرات، أو على أنه مفعول له، وفاعل الفعل المعلل محذوف، أي نسوق إليه ثمرات كل شيء، وإن كان الرزق ليس مصدراً، بل بمعنى المرزوق، جاز انتصابه على الحال من ثمرات، ويحسن لك تخصيصاً بالإضافة. و ) أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ( : أي جهلة، بأن ذلك الرزق هو من عندنا.
( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ).
هذا تخويف لأهل مكة من سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم من إنعام الله عليم بالرقود في ظلال الأمن وخفض العيش، فعظموا النعمة، وقابلوها بالأشر والبطر، فدمرهم الله وخرب ديارهم. و ) مَعِيشَتَهَا ( منصوب على التمييز، على مذهب الكوفيين ؛ أو مشبه بالمفعول، على مذهب بعضهم ؛ أو مفعول به على تضمين ) بَطِرَتْ ( معنى فعل متعد، أي خسرت معيشتها، على مذهب أكثر البصريين ؛ أو على إسقاط في، أي في معيشتها، على مذهب الأخفش ؛ أو على الظرف، على تقدير أيام معيشتها، كقولك : جئت خفوق النجم، على قول الزجاج. ) فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ ( : أشار إليها، أي ترونها خراباً، تمرون عليها كحجر ثمود، هلكوا وفنوا، وتقدم ذكر المساكن. و ) تُسْكَن (، فاحتمل أن يكون الاستثناء في قوله :) إِلاَّ قَلِيلاً ( من المساكن : أي إلاّ سكنى قليلاً، أي لم يسكنها إلاّ المسافر ومار الطريق. ) وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ ( : أي لتلك المساكن وغيرها، كقوله :) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الاْرْضَ (، خلت من ساكنيها فخربت. تتخلف الآثار عن أصحابها
حيناً ويدركها الفناء فتتبع
والظاهر أن القرى عامة في القرى التي هلكت، فالمعنى أنه تعالى لا يهلكها في كل وقت. حتى يبعث في أم تلك القرى، أي كبيرتها، التي ترجع تلك القرى إليها، ومنها يمتارون، وفيها عظيمهم الحاكم على تلك القرى. ) حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً (، لإلزام الحجة وقطع المعذرة. ويحتمل أن يراد بالقرى : القرى التي في عصر الرسول، فيكون أم القرى :


الصفحة التالية
Icon