" صفحة رقم ١٣١ "
ألا ويك المضرة لا تدوم
ولا يبقى على البؤس النعيم
وذهب الكسائي ويونس وأبو حاتم وغيرهم إلى أن أصله ويلك، فحذفت اللام والكاف في موضع جر بالإضافة. فعلى المذهب الأول قيل : تكون الكاف خالية من معنى التشبيه، كما قيل :) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء ). وعلى المذهب الثاني، فالمعنى : أعجب لأن الله. وعلى المذهب الثالث تكون ويلك كلمة تحزن، والمعنى أيضاً : لأن الله. وقال أبو زيد وفرقة معه : ويكأن، حرف واحد بجملته، وهو بمعنى : ألم تر. وبمعنى : ألم تر، قال ابن عباس والكسائي وأبو عبيد. وقال الفراء : ويك، في كلام العرب، كقوله الرجل : أما ترى إلى صنع الله ؟ وقال ابن قتيبة، عن بعض أهل العلم أنه قال : معنى ويك : رحمة لك، بلغة حمير.
ولما صدر منهم تمني حال قارون، وشاهدوا الخسف، كان ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا، وداعياً إلى الرضا بقدر الله، فتنبهوا لخطئهم فقالوا : وي، ثم قالوا :) كَانَ اللَّهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (، بحسب مشيئته وحكمته، لا لكرامته عليه، ويضيق على من يشاء، لا لهوانه، بل لحكمته وقضائه ابتلاء. وقرأ الأعمش : لولا منّ الله، بحذف أن، وهي مزادة. وروي عنه : منّ الله، برفع النون والإضافة. وقرأ الجمهور : لخسف مبنياً للمفعول ؛ وحفص، وعصمة، وأبان عن عاصم، وابن أبي حماد عن أبي بكر : مبنياً للفاعل ؛ وابن مسعود، وطلحة، والأعمش : لا تخسف بنا، كقولك : انقطع بنا، كأنه فعل مطاوع، والمقام مقام الفاعل هو ) بِنَا ). ويجوز أن يكون المصدر : أي لا نخسف الانخساف، ومطاوع فعل لا يتعدى إلى مفعول به، فلذلك بني إما لبنا وإما للمصدر. وعن ابن مسعود أيضاً : لتخسف، بتاء وشد السين، مبنياً للمفعول.
( تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الاْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنَّ ).
لما كان من قول أهل العلم والإيمان ثواب الله خير، ذكر محل الثواب، وهو الدار الآخرة. والمعنى : تلك التي سمعت بذكرها، وبلغك وصفها. ) الدَّارُ الاْخِرَةُ ( : أي نعيم الدار الآخرة، وهي الجنة، والبقاء فيها سرمداً، وعلق حصولها على مجرد الإرادة، فكيف يمن بأشر العلوّ والفساد ؟ ثم جاء التركيب بلا في قوله :) وَلاَ فَسَاداً (، فدل على أن كل واحد من العلوّ والفساد مقصود، لا مجموعهما. قال الحسن : العلوّ : العز والشرف، إن جر البغي الضحاك، الظلم والفساد يعم أنواع الشر. وعن عليّ، كرم الله وجهه : أن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحتها.