" صفحة رقم ١٨٩ "
الخوف لا ينبغي لأحد قط. انتهى. وكثر استعمال الزمخشري قط ظرفاً، والعامل فيه غير ماضٍ، وهو مخالف لكلام العرب في ذلك. فقبل حذف مقابل فمنهم مؤمن مقتصد تقديره : ومنهم جاحد ودل عليه، قوله :) وَمَا يَجْحَدُ بِئَايَاتِنَا ). وعلى هذا القول يكون مقتصد معناه : مؤمن مقتصد في أقواله وأفعاله بين الخوف والرجاء، موف بما عاهد الله عليه في البحر، وختم هنا ببنيتي مبالغة، وهما :) خَتَّارٍ (، و ) كَفُورٌ ). فالصبار الشكور معترف بآيات الله، والختار الكفور يجحد بها. وتوازنت هذه الكلمات لفظاً ومعنىً. أما لفظاً فظاهر، وأما معنىً فالختار هو الغدار، والغدر لا يكون إلا من قلة الصبر، لأن الصبارّ يفوّض أمره إلى الله، وأما الغدار فيعهد ويغدر، فلا يصبر على العهد : وأما الكفور فمقابلته معنى للشكور واضحة. ولما ذكر تعالى الدلائل على الوحدانية والحشر من أوّل السورة، أمر بالتقوى على سبيل الموعظة والتذكير بهذا اليوم العظيم.
لا يجزي : لا يقضي، ومنه قيل للمتقاضي : المتجازي، وتقدم الكلام في ذلك في أوائل البقرة. ولما كان الوالد أكثر شفقة على الولد من الولد على أبيه، بدأ به أولاً، وأتى في الإسناد إلى الوالد بالفعل المقتضي للتجدد، لأن شفقته متجددة على الولد في كل حال، وأتى في الإسناد إلى الولد باسم الفاعل، لأنه يدل على الثبوت، والثبوت يصدق بالمرة الواحدة. والجملة من لا يجزي صفة ليوم، والضمير محذوف، أي منه، فإما أن يحذف برمته، وإما على التدريج حذف الخبر، فتعدى الفعل إلى الضمير وهو منصوب فحذف. وقرأ الجمهور : لا يجزي مضارع جزى ؛ وعكرمة : بضم الياء وفتح الزاي مبنياً للمفعول ؛ وأبو السماك، وعامر بن عبد الله، وأبو السوار : لا يجزىء، بضم الياء وكسر الزاي مهموزاً، وومعناه : لا يغني ؛ يقال : أجزأت عنك جزاء فلان : أي أغنيت. ويجوز في ) وَلاَ مَوْلُودٌ ( وجهان : أحدهما : أن يكون معطوفاً على والد، والجملة من قوله :) هُوَ (، صفة مولود. والثاني : أن يكون مبتدأ، وهو مبتدأ ثان، وجاز خبره، والجملة خبر للأول، وجاز الابتداء به، وهو نكرة لوجود مسوغ ذلك، وهو النفي. وذهل المهدوي فقال : لا يكون ) وَلاَ مَوْلُودٌ ( مبتدأ، لأنه نكرة وما بعده صفة، فيبقى بلا خبر و ) شَيْئاً ( منصوب بجاز، وهو من باب الأعمال، لأنه يطلبه ) لاَّ يَجْزِى ( ويطلبه ) جَازٍ (، فجعلناه من أعمال الثاني، لأنه المختار. وقرأ ابن أبي إسحاق، وابن أبي عبلة، ويعقوب : نغرنكم، بالنون الخفيفة. وقرأ سماك بن حرب، وأبو حيوة : الغرور بالضم، وهو مصدر ؛ والجمهور : بالفتح، وفسره ابن مجاهد والضحاك بالشيطان، ويمكن حمل قراءة الضم عليه جعل الشيطان نفس الغرور مبالغة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : قوله :) وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً ( هو وارد على طريق من التوكيد، لم يرد عليه ما هو معطوف عليه. قلت : الأمر كذلك، لأن الجملة الاسمية آكد من الفعلية، وقد انضم إلى ذلك قوله :) هُوَ (، وقوله :) مَوْلُودٌ (، والسبب في مجيئه هذا السنن أن الخطاب للمؤمنين، وغالبهم قبض آباؤهم على الكفر وعلى الدين الجاهلي، فأريد حسم أطماعهم وأطماع الناس أن ينفعوا آباءهم في الآخرة، وأن يشفعوا لهم، وأن يغنوا عنهم من الله شيئاً، فلذلك جيء به على الطريق الأوكد. ومعنى التوكيد في لفظ المولود : أن الواحد منهم لو شفع للوالد الأدنى الذي ولد منه، لم تقبل شفاعته فضلاً أن يشفع لمن فوقه من أجداده، لأن الولد يقع على الولد، وولد الولد بخلاف المولود، فإنه لمن ولد منك.
( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ( : يروى أن الحارث بن عمارة المحاربي قال : يا رسول الله، أخبرني عن الساعة متى قيامها ؟ وإني لقد ألقيت حباتي في الأرض، وقد أبطأت عني السماء، متى تمطر ؟ وأخبرني عن امرأتي، فقد اشتملت على ما في بطنها، أذكر أم أنثى ؟ وعلمت أمس، فما أعمل غداً ؟ وهذا مولدي قد عرفته، فأين أموت ؟ فنزلت. وفي الحديث :( خمس لا يعلمهنّ إلا الله )، وتلا هذه الآية. وعلم : مصدر أضيف إلى الساعة، والمعنى : علم يقين، وفيها :) وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ ( في آياته من غير تقديم ولا تأخير. ) مَا فِى الاْرْحَامِ ( من ذكر أم أنثى، تام أو ناقص، ( وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ (، برة أو فاجرة. ) مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ( من خير أو شر، وربما عزمت على أحدهما فعلمت ضده. ) بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ ( : ورما أقامت بمكان ناوية


الصفحة التالية
Icon