" صفحة رقم ٢١٧ "
نَحْبَهُ (، وهذا تجوز، لأن الموت أمر لا بد منه أن يقع بالإنسان، فسمي نحباً لذلك. وقال مجاهد : قضى نحبه : أي عهده. قال أبو عبيدة : نذره. وقال الزمخشري :) فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ (، يحتمل موته شهيداً، ويحتمل وفاءه بنذره من الثبات مع رسول الله ( ﷺ ) ). وقالت فرقة : الموصوفون بقضاء النحب جماعة من الصحابة وفوا بعهود الإسلام على التمام. فالشهداء منهم، والعشرة الذين شهد لهم الرسول بالجنة، منهم من حصل في هذه المرتبة بما لم ينص عليه، ويصحح هذا القول قول رسول الله ( ﷺ ) ). وقد سئل من الذي قضى نحبه وهو على المنبر ؟ فدخل طلحة بن عبيد الله فقال : هذا ممن قضى نحبه. ) وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ( : إذا فسر قضاء النحب بالشهادة، كان التقدير : ومنهم من ينتظر الشهادة ؛ وإذا فسر بالوفاء لعهود الإسلام، كان التقدير : ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح. وقال مجاهد : ينتظر يوماً فيه جهاد، فيقضي نحبه. ) وَمَا بَدَّلُواْ ( : لا المستشهدون، ولا من ينتظر. وقد ثبت طلحة يوم أحد حتى أصيبت يده، فقال رسول الله ( ﷺ ) ) :( أوجب طلحة )، وفيه تعريض لمن بدل من المنافقين حين ولو الأدبار، وكانوا عاهدوا لا يولون الأدبار.
( لّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ ( : أي الذين ) صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ (، ( بِصِدْقِهِمْ ( : أي بسبب صدقهم. ) وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء (، وعذابهم متحتم. فكيف يصح تعليقه على المشيئة، وهو قد شاء تعذيبهم إذا وفوا على النفاق ؟ فقال ابن عطية : تعذيب المنافقين ثمرته إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم، والتوبة موازية لتلك الإقامة، وثمرة التوبة تركهم دون عذاب. فهما درجتان : إقامة على نفاق، أو توبة منه. وعنهما ثمرتان : تعذيب، أو رحمة. فذكر تعالى، على جهة الإيجاز، واحدة من هاتين، وواحدة من هاتين. ودل ما ذكر على ما ترك ذكره، ويدلك على أن معنى قوله :) لى عذب (، أي : ليديم على النفاق، قوله :) مِصْرَ إِن شَاء (، ومعادلته بالتوبة، وحذف أو. أنتهى. وكان ما ذكر يؤول إلى أن التقدير : ليقيموا على النفاق، فيموتوا عليه، إن شاء فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم. فحذف سبب التعذيب، وأثبت المسبب، وهو التعذيب. وأثبت سبب الرحمة والغفران، وحذف المسبب، وهو الرحمة والغفران، وهذا من الإيجاز الحسن. وقال الزمخشري : ويعذيهم إن شاء إذا لم يتوبوا، ويتوب عليهم إذا تابوا. انتهى. ولا يجوز تعليق عذابهم إذا لم يتوبوا بمشيئته تعالى، لأنه تعالى قد شاء ذلك وأخبر أنه يعذب المنافقين حتماً لا محالة. واللام في ) لِيَجْزِىَ (، قيل : لام الصيرورة ؛ وقيل : لام التعليل، ويتعلق بقوله :) وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ). قال الزمخشري : جعل المنافقون كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم، لأن كلا الفريقين مسوق إلى عاقبة من الثواب والعقاب، فكأنهما استويا في طلبهما والسعي لتحصيلهما. وقال السدي : المعنى : إن شاء يميتهم على نفاقهم، أو يتوب عليهم بفعلهم من النفاق بتقبلهم الإيمان. وقيل : يعذبهم في الدنيا إن شاء، ويتوب عليهم إن شاء. ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ( أي مغيظين غفور اللحوبة، رحيماً بقبول التوبة.
( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( الأحزاب عن المدينة، والمؤمنين إلى بلادهم. ) بِغَيْظِهِمْ ( : فهو حال، والباء للمصاحبة ؛ و ) لَمْ يَنَالُواْ ( : حال ثانية، أو من الضمير في بغيظهم، فيكون حالاً متداخلة. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الثانية بياناً للأولى، أو استئنافاً. انتهى. ولا يظهر كونها بياناً للأولى، ولا للاستئناف، لأنها تبقى كالمفلتة مما قبلها. ) وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ (