" صفحة رقم ٢٦٤ "
( سقط : الآية كاملة )
لما بين حال الشاكرين وحال الكافرين، وذكر قريشاً ومن لم يؤمن بمن مضى، عاد إلى خطابهم فقال :) قُلْ (، يا محمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم، ( ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ (، وهم معبوداتهم من الملائكة والأصنام، وهو أمر بدعاء هو تعجيز وإقامة للحجة. وروي أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشاً، أي ادعوهم ليكشفوا عنكم ما حل بكم، والجؤوا إليهم فيما يعنّ لكم. وزعم : من الأفعال التي تتعدى إلى اثنين إذا كانت اعتقادية، والمفعول الأول هو الضمير المحذوف العائد على الذين، والثاني محذوف أيضاً لدلالة المعنى، ونابت صفته منابه، التقدير : الذي زعمتموهم آلهة من دونه ؛ وحسن حذف الثاني قيام صفته مقامه، ولولا ذلك ما حسن، إذ في حذف إحدى مفعولي ظن وأخواتها اختصاراً خلاف، منع ذلك ابن ملكوت، وأجازه الجمهور، وهو مع ذلك قليل، ولا يجوز أن يكون الثاني من دونه، لأنه لا يستقل كلاماً. لو قلت : هم من دونه، لم يصح، ولا الجملة من قوله :) لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ (، لأنه لو كانت هذه النسبة مزعومة لهم لكانوا معترفين بالحق قائلين له. ولو كان ذلك توحيداً منهم، وأن آلهتهم ومعبوداتهم لا يملكون شيئاً باعترافهم. ثم أخبر عن آلهتهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة، وهو أحقر الأشياء، وإذا انتفى ملك الأحقر عنهم، فملك الأعظم أولى. ثم ذكر مقر ذلك المثقال، وهو السموات والأرض. ثم أخبر أنهم ما لهم في السموات ولا في الأرض من شركة، فنفى نوعي الملك من الاستبداد والشركة. ثم نفى الإعانة منهم له تعالى في شيء مما أنشأ بقوله :) وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ (، فبين عجز معبوداتهم من جميع الجهات.
ولما كان من العرب من يعبد الملائكة لتشفع له، نفى أن شفاعتهم تنفع، والنفي منسحب على الشفاعة، أي لا شفاعة لهم فتنفع، وليس المعنى أنهم يشفعون، ولا تنفع شفاعتهم، أي لا يقع من معبوداتهم شفاعة أصلاً. ولأن عابديهم كفار، فإن كان المعبودون أصناماً أو كفاراً، كفرعون، فسلب الشفاعة عنهم ظاهر، وإن كانوا ملائكة أو غيرهم ممن عبد، كعيسى عليه السلام، فشفاعتهم إذا وجدت تكون لمؤمن. و ) إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( : استثناء مفرغ، فالمستثنى منه محذوف تقديره : ولا تنفع الشفاعة لأحد ) إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ). واحتمل قوله لأحد أن يكون مشفوعاً له، وهو الظاهر، فيكون قوله :) إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (، أي المشفوع، أذن لأجله أن يشفع فيه ؛ والشافع ليس بمذكور، وإنما دل عليه المعنى. واحتمل أن يكون شافعاً، فيكون قوله :) إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( بمعنى : إلا لشافع أذن له أن يشفع، والمشفوع ليس بمذكور، إنما دل عليه المعنى. وعلى هذا الاحتمال تكون اللام في ) أَذِنَ لَهُ ( لام التبليغ، لا لام العلة. وقال الزمخشري : يقول : الشفاعة لزيد على معنى أنه الشافع، كما يقول : الكرم لزيد، وعلى معنى أنه المشفوع له، كما تقول : القيام لزيد، فاحتمل قوله :) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ( أن يكون على أحد هذين الوجهين، أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له، أو لا تنفع الشافعة إلا كائنة لمن أذن له، أي لشفيعه، أو هي اللام الثانية في قولك : أذن لزيد لعمرو، أي لأجله، وكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله، وهذا وجه لطيف، وهو الوجه، وهذا تكذيب لقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله. انتهى. فجعل إلا لمن أذن له استثناء مفرغاً من الأحوال، ولذلك قدره : إلا كائنة، وعلى ما قررناه استثناء من الذوات.
وقال أبو عبد الله الرازي : المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة : قائل :