" صفحة رقم ٣٧٩ "
فيضلك ضمير ) الْهَوَى (، أو ضمير المصدر المفهوم من ) وَلاَ تَتَّبِعِ (، أي فيضلك اتباع الهوى. ولما ذكر ما ترتب على اتباع الهوى، وهو الإضلال عن سبيل الله، ذكر عقاب الضال. وقرأ الجمهور :) يُضِلُّونَ (، بفتح الياء، لأنهم لما أضلهم اتباع الهوى صاروا ضالين. وقرأ ابن عباس، والحسن : بخلاف عنهما ؛ وأبو حيوة : بضم الياء، وهذه القراءة أعم، لأنه لا يضل الإضال في نفسه ؛ وقراءة الجمهور أوضح. و ) بِمَا نَسُواْ ( : متعلق بما تعلق به لهم، ونسوا : تركوا، و ) يَوْمٍ ( : يجوز أن يكون منصوب بنسوا، أو بما تعلق به لهم، ويكون النسيان عبارة عن ضلالهم عن سبيل الله. وانتصب ) بَاطِلاً ( على أنه نعت لمصدر محذوف، أي خلق باطلاً، أو على الحال، أي مبطلين، أو ذوي باطل، أو على أنه مفعول من أجله. معنى باطلاً : عبثاً.
( ذالِكَ ( : أي كون خلقها باطلاً، ( ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( : أي مظنونهم، وهؤلاء، وإن كانوا مقرين بأن خالق السموات والأرض هو الله تعالى، فهم من حيث أنكروا المعاد والثواب والعقاب ظانون أن خلق ذلك ليس بحكمة، وأن خلق ذلك إنما هو عبث ؛ ولذلك قال تعالى :) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ). فنبه على المعاد والرجوع إلى جزائه، ثم ذكر ما بين المؤمن، عامل الصالحات، والمفسد من التباين، وأنهما ليساسيين، وقابل الصلاح بالفساد، والتقوى بالفجور. قال ابن عباس : هي عامة في جميع المسلمين والكافرين. وقيل في قوم من مشركي قريش قالوا : نحن لنا في الآخرة أعظم مما لنا في الدنيا، فأنزل الله هذه الآية. وقيل في جماعة من المؤمنين والكافرين معينين بارزوا يوم بدر علياً وحمزة وعبيدة بن الحرث، رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة ؛ ووصف كلاً ناسبه. والاستفهام بأم في الموضعين استفهام إنكار، والمعنى : أنه لا يستوي عند الله من أصلح ومن أفسد، ولا من اتقى ومن فجر، وكيف تكون التسوية بين من أطاع ومن عصي ؟ إذن كان يبطل الجزاء، والجزاء لا محالة واقع، والتسوية منتفية.
ولما انتفت التسوية، بين ما تصلح به لمتبعه السعادة الأبدية، وهو كتاب الله تعالى، فقال :) كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ (، وارتفاعه على إضمار متبدأ، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور :) مُّبَارَكٌ (، على الصفة. وقرىء : مبارك، على الحال اللازمة، أي هذا كتاب. وقرأ الجمهور :) لّيَدَّبَّرُواْ ءايَاتِهِ (، بياء الغيبة وشد الدال، وأصله ليتدبروا. وقرأ عليّ بهذا الأصل. وقرأ أبو جعفر : بتاء الخطاب وتخفيف الدال ؛ وجاء كذلك عن عاصم والكسائي بخلاف عنهما، والأصل : لتتدبروا بتاءين، فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها، أهي تاء المضارعة أم التاء التي تليها ؟ واللام في ليدبروا لام كي، وأسند التدبر في الجميع، وهو التفكر في الآيات، والتأمل الذي يفضي بصاحبه إلى النظر في عواقب الأشياء. وأسند التذكر إلى أولي العقول، لأن ذا العقل فيه ما يهديه إلى الحق وهو عقله، فلا يحتاج إلا إلى ما يذكره فيتذكروا، والمخصوص بالمدح محذوف، التقدير :) نِعْمَ الْعَبْدُ ( هو، أي سليمان. وقرىء : نعم على الأصل، كما قال :
نعم الساعون في القوم الشطر
أثنى تعالى عليه لكثرة رجوعه إليه، أو لكثرة تسبيحه. ) إِذْ عُرِضَ (، الناصب لإذ، قيل :) أَوَّابٌ (، وقيل : اذكر على الاختلاف في تأويل هذه الآية. قال الجمهور : عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له، وقيل : ألف واحد، فأجريت بين يديه عشياً، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر له، فقال : ردوها عليّ. فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف لما كانت سبب الذهول عن ذلك الذكر، فأبد له الله أسرع منها الريح. وقال قوم، منهم الثعلبي : كانت بالناس مجاعة، ولحوم الخيل لهم حلال، فعقرها لتؤكل على سبيل القربة، ونحر الهدى عندنا. انتهى. وفي هذه القصة ألفاظ فيها