" صفحة رقم ٣٩٨ "
غير ذلك. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما المراد بالكتاب ؟ قلت : الظاهر على الوجه الأول أنه القرآن، وعلى الثاني أنه السورة. انتهى. وبالحق في موضع الحال، أي ملتبساً بالحق، وهو الصدق الثابت فيما أودعناه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد والتكاليف، فهذا كله حق وصدق يجب اعتقاده والعمل، به أو يكون بالحق : بالدليل على أنه من عند الله، وهو عجز الفصحاء عن معارضته. وقال ابن عطية : أي متضمناً الحق فيه وفي أحكامه وفي أخباره، أو بمعنى الاستحقاق وشمول المنفعة للعالم في هدايتهم ودعوتهم إلى الله. انتهى ملخصاً.
ولما امتن تعالى على رسوله بإنزال الكتاب عليه بالحق، وكان الحق إخلاص العبادة لله، أمره تعالى بعبادته فقال :) فَاعْبُدِ اللَّهَ (، وكأن هذا الأمر ناشىء عن إنزال الكتاب، فالفاء فيه للربط، كما تقول : أحسن إليك زيد فاشكره. ) مُخْلِصاً ( : أي ممحضاً، ( لَّهُ الدّينِ ( : من الشرك والرياء وسائر ما يفسده. وقرأ الجمهور : الدين بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة : بالرفع فاعلاً بمخلصاً، والراجع لذي الحال محذوف على رأي البصريين، أي الدين منك، أو يكون أل عوضاً من الضمير، أي دينك. وقال الزمخشري : وحق من رفعه أن يقرأ مخلصاً بفتح اللام، كقوله تعالى :) وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ (، حتى يطابق قوله :) أَلاَ لِلَّهِ الدّينُ الْخَالِصُ (، والخالص والمخلص واحد، إلا أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي، كقولهم : شعر شاعر. وأما من جعل مخلصاً حالاً من العابد، وله الدين مبتدأ وخبر، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين، أي لله الدين الخالص. انتهى. وقد قدمنا تخريجه على أنه فاعل بمخلصاً، وقدرنا ما يربط الحال بصاحبها، وممن ذهب إلى أن له الدين مستأنف مبتدأ وخبر الفراء. ) أَلاَ لِلَّهِ الدّينُ الْخَالِصُ ( : أي من كل شائبة وكدر، فهو الذي يجب أن تخلص له الطاعة، لاطلاعه على الغيوب والأسرار، ولخلوص نعمته على عباده من غير استجرار منفعة منهم. قال الحسن : الدين الخالص : الإسلام ؛ وقال قتادة : شهادة أن لا إله إلا الله.
( وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ ( : مبتدأ، والظاهر أنهم المشركون، واحتمل أن يكون الخبر قال المحذوف المحكى به قوله :) مَا نَعْبُدُهُمْ (، أي والمشركون المتخذون من دون الله أولياء قالوا : ما نعبد تلك الأولياء ) إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (، واحتمل أن يكون الخبر :) إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ (، وذلك القول المحذوف في موضع الحال، أي اتخذوهم قائلين ما نعبدهم. وأجاز الزمخشري أن يكون الخبر ) إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ (، وقالوا : المحذوفة بدل من اتخذوا صلة الذين، فلا يكون له موضع من الإعراب، وكأنه من بدل الاشتمال. وفي مصحف عبد الله : قالوا ما نعبدهم، وبه قرأ هو وابن عباس ومجاهد وابن جبير، وأجاز الزمخشري أن يكون ) وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ ( بمعنى المتخذين، وهم الملائكة وعيسى واللات والعزى ونحوهم، والضمير في اتخذوا عائد على الموصول محذوف تقديره : والذين اتخذهم المشركون أولياء، وأولياء مفعول ثان، وهذا الذي أجازه خلاف الظاهر، وهذه المقالة شائعة في العرب، فقال ذلك ناس منهم في الملائكة وناس في الأصنام والأوثان. قال مجاهد : وقد قال ذلك قوم من اليهود في عزيز، وقوم من النصارى في المسيح. وقرىء : ما نعبدهم بضم النون، اتباعاً لحركة الباء.
( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ( : اقتصر في الرد على مجرد التهديد، والظاهر أن الضمير في بينهم عائد على المتخذين، والمتخذين والحكم بينهم هو بإدخال الملائكة وعيسى عليه السلام الجنة، ويدخلهم النار مع الحجارة والخشب التي نحتوها وعبدوها من دون الله، يعذبهم بها، حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم. واختلافهم أن من عبدوه كالملائكة وعيسى كانوا متبرئين منهم لاعنين لهم موحدين لله. وقيل : الضمير في بينهم عائد على المشركين والمؤمنين، إذا كانوا يلومونهم على عبادة الأصنام فيقولون :) مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (، والحكم إذ ذاك هو في يوم القيامة بين الفريقين.
( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( : كاذب في دعواه أن لله شريكاً، كفار لأنعم الله حيث، جعل مكان الشكر الكفر، والمعنى : لا يهدي من ختم عليه بالموافاة على الكفر فهو عام، والمعنى على الخصوص : فكم قد هدى من