" صفحة رقم ٤٠٤ "
أَرْجُلِهِمْ (، وقال لهم :) مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ( وقيل : هي ظلل للذين هم تحتهم، إذ النار طباق. وقيل : إنما تحتهم يلتهب ويتصاعد منه شيء حتى يكون ظلة، فسمي ظلة باعتبار ما آل إليه أخيراً. ) ذالِكَ ( : أي ذلك العذاب، يخوف الله به عباده : ليعلموا ما يخلصكم منه، ثم ناداهم وأمرهم فقال :) قَلِيلاً وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونِ ( : أي اتقوا عذابي.
( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُو الاْلْبَابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ لَاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ ).
قال ابن زيد : نزلت ) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ ( في زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان وأبي ذر. وقال ابن إسحاق : الإشارة بها إلى عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، والزبير، وذلك أنه لما أسلم أبو بكر، سمعوا ذلك فجاؤوه وقالوا : أسلمت ؟ قال : نعم، وذكرهم بالله، فآمنوا بأجمعهم، فنزلت فيهم، وهي محكمة في الناس إلى يوم القيامة. والطاغوت : تقدم الكلام عليها في البقرة. وقرأ الحسن : الطواغيت جمعاً. ) أَن يَعْبُدُوهَا ( : أي عبادتها، وهو بدل اشتمال. ) لَهُمُ الْبُشْرَى ( : أي من الله تعالى بالثواب. ) فَبَشّرْ عِبَادِ ( : هم المجتنبون الطاغوت إلى الله. وضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أنهم هم، وليترتب على الظاهر الوصف، وهو :) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ (، وهو عام في جميع الأقوال، ( فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ( : ثناء عليهم بنفوذ بصائرهم وتمييزهم الأحسن، فإذا سمعوا قولاً تبصروه. قيل : وأحسن القول : القرآن وما يرجع إليه. وقيل : القول : القرآن، وأحسنه : ما فيه من صفح وعفو واحتمال ونحو ذلك. وقال قتادة : أحسن القول طاعة الله. وعن ابن عباس : هو الرجل يجلس مع القوم، فيسمع الحديث فيه محاسن مساو، وفيحدث بأحسن ما سمع، ويكف عن ما سواه. و ) الَّذِينَ ( : وصف لعباد. وقيل : الوقف على عباد، والذين مبتدأ خبره أولئك وما بعده.
( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ( : قيل نزلت في أبي جهل، أي نفذ عليه الوعيد بالعذاب. والظاهر أنها جملة مستقلة، ومن موصولة مبتدأ، والخبر محذوف، فقيل تقديره : يتأسف عليه، وقيل : يتخلص منه. وقدره الزمخشري : فأنت تخلصه، قال : حذف لدلالة أفأنت تنفذ عليه ؟ وقدر الزمخشري بين الهمزة والفاء جملة حتى تقر الهمزة في مكانها والفاء في مكانها، فقال : التقدير : أأنت مالك أمرهم ؟ فمن حق عليه كلمة العذاب، وهو قول انفرد به فيما علمناه. والذي تقوله النحاة أن الفاء للعطف وموضعها التقديم على الهمزة، لكن الهمزة، لما كان لها صدر الكلام، قدمت، فالأصل عندهم : فأمن حق عليه، وعلى القول أنها جملة مستقلة يكون قوله :) أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ (، استفهام توقيف، وقدم فيه الضمير إشعاراً بأنك لست تقدر أن تنقذه من النار، بل لا يقدر على ذلك أحد إلا الله. وذهبت فرقة، منهم الحوفي والزمخشري، إلى أن من شرطية، وجواب الشرط أفأنت، فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء، وأعيدت الهمزة لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد، ووضع من في النار، وهو ظاهر، موضع المضمر، إذ كان الأصل تنقذه، وإنما أظهر تشهيراً لحالهم وإظهاراً لخسة منازلهم. قال الحوفي :


الصفحة التالية
Icon