" صفحة رقم ٤٠٥ "
وجيء بألف الاستفهام لما طال الكلام توكيداً، ولولا طوله، لم يجز الإتيان بها، لأنه لا يصلح في العربية أن يأتي بألف الاستفهام في الاسم، وألف أخرى في الجزاء. ومعنى الكلام : أفأنت تنقذه ؟ انتهى. وعلى هذا القول، يكون قد اجتمع استفهام وشرط على قول الجماعة أن الهمزة قدمت من تأخر، فيجيء الخلاف بين سيبويه ويونس : هل الجملة الأخيرة هي للمستفهم عنها أو هي جواب الشرط ؟ وعلى تقدير الزمخشري : لم تدخل الهمزة على اسم الشرط، فلم يجتمع استفهام وشرط، لأن الاستفهام عنده دخل على الجملة المحذوفة عنده، وهو : أأنت مالك أمرهم ؟ وفمن معطوف على تلك الجملة المحذوفة، عطفت جملة الشرط على جملة الاستفهام، ونزل استحقاقهم العذاب، وهم في الدنيا بمنزلة دخولهم النار، ونزل اجتهاد الرسول عليه السلام في دعائهم إلى الإيمان منزلة انقاذهم من النار.
ولما ذكر حال الكفار في النار، وأن الخاسرين لهم ظلل، ذكر حال المؤمنين، وناسب الاستدراك هنا، إذ هو واقع بين الكافرين والمؤمنين، فقال :) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ ). ففي ذلك حض على التقوى، لهم علالي مرتفعة فوقها علالي مبنية، أي بناء المنازل التي سويت على الأرض. والضمير في ) مِن تَحْتِهَا ( عائد على الجمعين، أي من تحت الغرف السفلى والغرف العليا، لا تفاوت بين أعلاها وأسفلها وانتصب ) وَعَدَ اللَّهُ ( على المصدر المؤكد لمضمون الجملة قبله، إذ تضمنت معنى الوعد. ) أَلَمْ تَرَ ( : خطاب وتوقيف للسامع على ما يعتبر به من أفعال الله الدالة على فناء الدنيا واضمحلالها. ) فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ ( : أي أدخله مسالك وعيوناً. والظاهر أن ماء العيون هو من ماء المطر، تحبسه الأرض ويخرج شيئاً فشيئاً. ) ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً (، ذكر منته تعالى علينا بما تقوم به معيشتنا. ) مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ( : من أحمر وأبيض وأصفر، وشمل لفظ الزرع جميع ما يرزع من مقتات وغيره، أو مختلفاً أصنافه من بر وشعير وسمسم وغير ذلك. ) ثُمَّ يَهِيجُ ( : يقارب الثمار، ( فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ( : أي زالت خضرته ونضارته. وقرأ أبو بشر : ثم يجعله، بالنصب في اللام. قال صاحب الكامل وهو ضعيف. انتهى. ) إِنَّ فِى ذَلِكَ ( : أي فيما ذكر من إنزال المطر وإخراج الزرع به وتنقلاته إلى حالة، الحطامية، ( لِذِكْرِى ( : أي لتذكرة وتنبيهاً على حكمة فاعل ذلك وقدرته.
( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ ( : نزلت في حمزة، وعلى ومن مبتدأ، وخبره محذوف يدل عليه ) فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ( تقديره : كالقاسي المعرض عن الإسلام، وأبو لهب وابنه كاتا من القاسية قلوبهم، وشرح الصدر استعارة عن قبوله للإيمان والخير والنور والهداية. وفي الحديث :( كيف انشراح الصدور ؟ قال : إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، قلنا : وما علامة ذلك ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل الموت ). ) فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللَّهِ ( : أي من أجل ذكره، أي إذا ذكر الله عندهم قست قلوبهم. وقال مالك بن دينار : ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب. ) أُوْلَائِكَ ( : أي القاسية قلوبهم، ( فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( : أي في حيرة واضحة، لا تخفى على من تأملها.
( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ ).
عن ابن عباس، أن قوماً من الصحابة قالوا : يا رسول الله، حدثنا بأحاديث حسان، وبأخبار الدهر، فنزل :) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ). وعن ابن مسعود، أن الصحابة ملؤوا مكة، فقالوا له : حدثنا، فنزلت. والابتداء باسم الله، وإسناد نزل