" صفحة رقم ٤٠٧ "
يداه إلى رجليه مع عنقه، لم يكن له ما يتقي به النار إلا وجهه. قال مجاهد : يجر على وجهه في النار، ويجوز أن يعبر بالوجه عن الجملة. وقيل : المعنى وصف كثرة ما ينالهم من العذاب، يتقيه أولاً بجوارحه، فيتزيد حتى يتقيه بوجهه الذي هو أشرف جوارحه، وفيه جواب، وهو غاية العذاب. قال ابن عطية : وهذا المعنى عندي أبين بلاغة. في هذا المضمار يجري قول الشاعر : يلقي السيوف بوجهه وبنحره
ويقيم هامته مقام المغفر
لأنه إنما أراد عظم جرأته عليها، فهو يلقاها بكل مجن، وبكل شيء عنه، حتى بوجهه وبنحره. انتهى. و ) سُوء الْعَذَابِ ( : أشده، وخبر من محذوف قدره الزمخشري : كمن أمن العذاب، وابن عطية : كالمنعمين في الجنة. ) وَقِيلَ لِلظَّلِمِينَ ( : أي قال ذلك خزنة النار، ( ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ ( : أي وبال ما كنتم ) تَكْسِبُونَ ( من الأعمال السيئة. ) كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( : تمثيل لقريش بالأمم الماضية، وما آل إليه أمرهم من الهلاك. ) فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ( : من الجهة التي لا يشعرون أن العذاب يأتيهم من قبلها، ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها. كانوا في أمن وغبطة وسرور، فإذا هم معذبون مخزيون ذليلون في الدنيا من ممسوخ ومقتول ومأسور ومنفي. ثم أخبر أن ما أعدلهم في الآخرة أعظم. وانتصب ) قُرْءاناً عَرَبِيّاً ( على الحال، وهي حال مؤكدة، والحال في الحقيقة هو عربياً، وقرآنا توطئة له. وقيل : انتصب على المدح، ونفى عنه العوج، لأنه مستقيم يرى من الاختلاف والتناقض. وقال عثمان بن عفان : غير مضطرب. وقال ابن عباس : غير مختلف. وقال مجاهد : غير ذي لبس. وقال السدي : غير مخلوق. وقيل : غير ذي لحن. قال الزمخشري : فإن قلت : فهلا قيل مستقيماً أوغير معوج ؟ قلت : فيه فائدتان : إحدهما : نفى أن يكون فيه عوج قط، كما قال :) وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ). والثاني : أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان. وقيل : المراد بالعوج : الشك واللبس، وأنشد : وقد أتاك يقيناً غير ذي عوج
من الإله وقول غير مكذوب
انتهى. ولما ذكر تعالى أنه ضرب في القرآن ) مِن كُلّ مَثَلٍ ( : أي محتاج إليه، ضرب هنا مثلاً لعابد آلهة كثيرة، ومن يعبد الله وحده، ومثل برجل مملوك اشترك فيه ملاك سيئو الأخلاق، فهو لا يقدر أن يوفي كل واحد منهم مقصوده، إذ لا يتغاضى بعضهم لبعض لمشاحتهم، وطلب كل منهم أن يقضي حاجته على التمام، فلا يزال في عناء وتعب ولوم من كل منهم. ورجل آخر مملوك جمعيه لرجل واحد، فهو معني بشغله لا يشغله عنه شيء، ومالكه راض عنه إن قد خلص لخدمته وبذل جهده في قضاء حوائجه، فلا يلقى من سيده إلا إحساناً، وتقدم الكلام في نصب المثل وما بعده. وقال الكسائي : انتصب رجلاً على إسقاط الخافض، أي مثلاً لرجل، أو في رجل فيه، أي في رقه مشتركاً، وفيه صلة لشركاء. وقرأ عبد الله، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والزهري، والحسن : بخلاف عنه ؛ والجحدري، وابن كثير وأبو عمرو : سالما اسم فاعل من سلم، أي خالصاً من الشركة. وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، وأبو رجاء، وطلحة، والحسن : بخلاف عنه ؛ وباقي السبعة : سلما بفتح السين واللام. وقرأ ابن جبير : سلما بكسر السين وسكون اللام، وهما مصدر ان وصف بهما مبالغة في الخلوص من الشركة. وقرىء : ورجل سالم، برفعهما. وقال الزمخشري : أي وهناك رجل سالم لرجل. انتهى، فجعل الخبر هناك. ويجوز أن يكون ورجل مبتدأ، لأنه موضع تفصيل، إذ قد تقدم ما يدل عليه، فيكون كقول امرىء القيس : إذا ما بكى من خلفها انحرفت له
بشقّ وشق عندنا لم يحوّل


الصفحة التالية
Icon