" صفحة رقم ٤٦٧ "
متقدماً على خلق السماء، ودحو الأرض غير خلقها، وقد تأخر عن خلق السماء، وقد أورد على هذا أن جعل الرواسي فيها والبركة. وتقدير الأقوات لا يمكن إدخالها في الوجود إلا بعد أن صارت الأرض موجودة. وقوله :) وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْواتَهَا ( مفسر بخلق الأشجار والنبات والحيوان فيها، ولا يمكن ذلك إلا بعد صيرورتها منبسطة. ثم قال بعد :) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء (، فاقتضى خلق السماء بعد خلق الأرض ودحوها. وأورد أيضاً أن قوله تعالى للسماء وللأرض :) ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً (، كناية عن إيجادهما، فلو سبق إيجاد الأرض على إيجاد السماء لاقتضى إيجاد الموجود بأمره للأرض بالإيجاد، وهو محال، وقد انتهى هذا الإيراد.
ونقل الواحدي في البسيط عن مقاتل أنه قال : خلق الله السماء قبل الأرض، وتأول قوله :) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِىَ دُخَانٌ ( قبل أن يخلق الأرض، فأضمر فيه كان، كما قال تعالى :) إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ( معناه : إن يكن سرق. انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي : فقدر ثم كان قد استوى جمع بين ضدين، لأن ثم تقتضي التأخر، وكان تقتضي التقدم، فالجمع بينهما يفيد التناقض، ونظيره : ضربت زيداً اليوم، ثم ضربت عمراً أمس. فكما أن هذا باطل، فكذلك ما ذكر يعني من تأويل ثم كان قد استوى، قال : والمختار عندي أن يقال : خلق السماء مقدم على خلق الأرض. وتأويل الآية أن الخلق ليس عبارة عن التكوين، والإيجاد يدل عليه قوله :) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (، وهذا محال، لا يقال للشيء الذي وجد كن، بل الخلق عبارة عن التقدير، وهو في حقه تعالى حكمه أن سيوجد، وقضاؤه بذلك بمعنى خلق الأرض في يومين، وقضاؤه بأن سيحدث كذا، أي مدة كذا، لا يقتضي حدوثه ذلك في الحال، فلا يلزم تقديم إحداث الأرض على إحداث السماء. انتهى.
والذي نقوله : أن الكفار وبخوا وقرعوا بكفرهم بمن صدرت عنه هذه الأشياء جميعها من غير ترتيب زماني، وأن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الزمان، والمهلة كأنه قال : فالذي أخبركم أنه خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء، فلا تعرض في الآية لترتيب، أي ذلك وقع الترتيب الزماني له. ولما كان خلق السماء أبدع في القدرة من خلق الأرض، ألف الأخبار فيه بثم، فصار كقوله :) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ ( بعد قوله :) فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ ). ومن ترتيب الأخبار ) ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ( بعد قوله :) قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ وَيَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ (، بعد إخباره بما أخبر به، تصويراً لخلقهما على وفق إرادته تعالى، كقولك : أرأيت الذي أثنيت عليه فقلت إنك عالم صالح ؟ فهذا تصوير لما أثنيت به وتفسير له. فكذلك أخبر بأنه خلق كيت وكيت، فحد ذلك إيجاداً لم يتخلف عن إرادته. ويدل على أنه المقصود الإخبار بوقوع هذه الأشياء من غير ترتيب زماني قوله في الرعد :) اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ( الآية، ثم قال بعد :) وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الاْرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً ( الآية. وظاهر الآية التي نحن فيها جعل الرواسي، وتقدير الأقوات قبل الاستواء إلى السماء وخلقها، ولكن المقصود في الآيتين الإخبار بصدور ذلك منه تعالى من غير تعرض لترتيب زماني، وما جاء من ذلك مقصوراً على يومين أو أربعة أو ستة إنما المعنى في مقدار ذلك عندكم، لا أنه كان وقت إيجاد ذلك زمان. ) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ( : أي صنعهن وأوجدهن، كقول ابن أبي ذؤيب : وعليهما مسرودتان قضاهما
داود أو صنع السوابغ تبع
وعلى هذا انتصب سبع على الحال. وقال الحوفي : مفعول ثان، كأنه ضمن قضاهن معنى صيرهن فعداه إلى مفعولين، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً سبع سموات على التمييز. ويعني بقوله مبهماً،


الصفحة التالية
Icon