" صفحة رقم ٤٨٠ "
القائل الكفار، أي مايقول لك كفار قومك إلا ما قد قال كفار الرسل لهم من الكلام المؤذي والطعن فيما أنزل الله عليهم من الكتب. ثم أخبر تعالى أنه ذو مغفرة وذو عقاب أليم، وفيه الترجئة بالغفران، والزجر بالعقاب، وهو وعظ وتهديد. وقال قتادة : عزى الله نبيه وسلاه بقوله :) مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ (، ومثله كذلك :) مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ).
ولما ذكر تعالى الملحدين في آياته، وأنهم لا يخفون عليه، والكافرين بالقرآن ما دل على تعنتهم وما ظهر من تكذيبهم، وقولهم : هل أنزل بلغة العجم ؟ فقال :) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً أعْجَمِيّاً ( : أي لا يفصح ولا تبين معانيه لهم لكونه بلغة العجم أو بلغة غير العرب، لم يتركوا الاعتراض، و ) لَّقَالُواْ لَوْلاَ لا فُصّلَتْ ءايَاتُهُ ( : أي بينت لنا، وأوصحت حتى نفهمها. وقرأ الجمهور : آعجمي بهمزة الاستفهام بعدها مدة هي همزة أعجمي، وقياسها في التخفيف التسهيل بين بين. وقرأ الإخوان، والأعمش، وحفص : بهمزتين، أي وقالوا منكرين : أقرآن أعجمي ورسول عربي ؟ أو مرسل إليه عربي ؟ وتأوله ابن جبير أن معنى قوله :) أَعْجَمِىٌّ (، ونحن عرب ما لنا وللعجمة. وقال ابن عطية : لانهم ينكرون ذلك فيقولون : لولا بين أعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن. انتهى. ولا يصح هذا التقسيم لأنه بالنسبة للقرآن، وهم إنما قالوا ما دل عليه قوله تعالى :) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً أعْجَمِيّاً (، من اقتراحهم أن يكون أعجمياً، ولم يقترحوا أن يكون القرآن أعجمياً وعربياً. وقرأ الحسن، وأبو الاسود، والجحدري، وسلام، والضحاك، وابن عباس، وابن عامر بخلاف عنهما : أعجمي وعربي دون استفهام وسكون العين، فقيل معناه : أنهم قالوا : أعجمة وأعرب، إن هذا لشاذ. وقال ابن جبير معناه : لولا فصل فصلين، فكان بعضه أعجمياً بفهمه العجم، وبعضه عربياً يفهمه العرب. وقال صاحب اللوامح : لأنهم لما قالوا :) لَوْلاَ فُصّلَتْ ءايَاتُهُ (، أعادوا القول ثانياً فقالوا :) أَعْجَمِىٌّ (، وأضمر المبتدأ، أي هو أعجمي، والقرآن، أو الكلام، أو نحوها، والذي أتى به، أو الرسول عربي، كأنهم كانوا ينكرون ذلك. وقرأ عمرو بن ميمون : أعجمي بهمزة استفهام وفتح العين أن القرآن لو جاء على طريقة كائنة كانوا تعنتوا، لأنهم لا يطلبون الحق. وقال صاحب اللوامح : والعجمي المنسوب إلى العجم، والياء للنسب على الحقيقة ؛ وأما إذا سكنت العين فهو الذي لا يفصح، والياء فيه بلفظ النسب دون معناه، فهو بمنزلة ياء كرسي وبختي، والله أعلم. انتهى، وليست كياء كرسي بنيت الكلمة عليها، وياء أعجمي لم تبن الكلمة عليها. تقول العرب : رجل أعجم ورجل أعجمي، فالياء للنسبة الدالة على المبالغة في الصفة، نحو : أحمري ودواري مبالغة في أحمر ودوار. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يصح أن يراد بالعربي المرسل إليهم وهم أمة العرب ؟ قلت : هو على ما يجب أن يقع في إنكار المنكر لو رأى كتاباً عجمياً كتب إلى قوم من العرب يقول : أكتاب عجمي والمكتوب إليه عربي ؟ لأن نسخ الإنكار على تنافر حالتي الكتاب والمكتوب إليه، لا على أن المكتوب إليه واحد وجماعة ؛ فوجب أن يجرد لما سيق له من الغرض، ولا يوصل به غرضاً آخر. ألا تراك تقول : وقد رأيت لباساً طويلاً على امرأة قصيرة، اللباس طويل واللابس قصير ؟ ولو قلت : واللابسة قصيرة، جئت بما هو لكنة وفضول قول، لإن الكلام لم يقع في ذكورة اللابس وأنوثته، إنما وقع في غرض وراءهما. انتهى، وهو حسن، إلا أن فيه تكثيراً على عادته في حب الشقشقة والتفهيق.
( قُلْ هُوَ ( : أي القرآن، ( لِلَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon