" صفحة رقم ٥٠٠ "
جعلت هم توكيداً للهاء والميم، يعني في أصابهم، وهو ضمير رفع، وفي هذا نظر، وفيه الفصل بين المؤكد والتوكيد بالفاعل، وهو فعل الظاهر أنه لا يمتنع، والانتصار : أن يقتصر على ما حده الله له ولا يتعدى. وقال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم، فتجترىء عليهم الفساق، ومن انتصر غير متعد فهو مطيع محمود. وقال مقاتل، وهشام عن عروة : الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص. وقال ابن عباس : تعدى المشركون على رسول الله ( ﷺ ) ) وعلى أصحابه، وأخرجوهم من مكة، فأذن الله لهم بالخروج في الأرض، ونصرهم على من بغى عليهم. وقال الكيا الطبري : ظاهره أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله ولرسوله وإقامة الصلاة ؟ فهذا على ما ذكره النخعي، وهذا فيمن تعدى وأصر، والمأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مقلعاً. وقد قال عقيب هذه الآية ) وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ( الآية، فيقتضي إباحة الانتصار. وقد عقبه بقوله :) وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ (، وهذا محمول على القرآن عند غير المصر. فأما المصر على البغي، فالأفضل الانتصار منه بدليل الآية قبلها. وقال ابن بحر : المعنى تناصروا عليه فأزالوه عنهم. وقال أبو بكر بن العربي نحواً من قول الكيا. قال الجمهور : إذا بغى مؤمن على مؤمن، فلا يجوز له أن ينتصر منه بنفسه، بل يرفع ذلك إلى الإمام أو نائبه. وقالت فرقة : له ذلك.
( وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا ( : هذا بيان للانتصار، أي لا يتعدى فيما يجازي به من بغى عليه. قال ابن أبي نجييج، والسدي : إذا شتم، فله أن يرد مثل ما شتم به دون أن يتعدى، وسمى القصاص سيئة على سبيل المقابلة، أو لأنها تسوء من اقتص منه، كما ساءت الحيض. وظاهر قوله : مثلها المماثلة مطلقاً في كل الأحوال، لا فيما خصه الدليل. والفقهاء أدخلوا التخصيص في صور كثيرة بناء على القياس. قال مجاهد، والسدي : إذا قال له أخزاك الله فليقل أخزاك الله، وإذا قذفه قذفاً يوجب الحد، بل الحد الذي أمره الله به. ) فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ( : أي بينه وبين خصمه بالعفو، ( فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ( : عدة مبهمة لا يقاس عظمها، إذ هي على الله. ) إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( : أي الخائنين، وإذا كان لا يحبه وقد ندب إلى العفو عنه، فالعفو الذي يحبه الله أولى أن يعفي عنه، أو لا يحب الظالمين من تجاوز واعتدى من المجني عليهم، إذا انتصروا خصوصاً في حالة الحرب والتهاب الحمية، فربما يظلم وهو لا يشعر. وفي الحديث :( إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له أجر على الله فليقم، قال : فيقوم خلق، فيقال لهم : ما أجركم على الله ؟ فيقولون : نحن عفونا عمن ظلمنا، فيقال لهم : ادخلوا الجنة بإذن الله ). واللام في ) وَلَمَنِ انتَصَرَ ( لام توكيد. قال الحوفي : وفيها معنى القسم. وقال ابن عطية : لام التقاء القسم يعنيان أنها اللام التي يتلقى بها القسم، فالقسم قبلها محذوف، ومن شرطية، وحمل ) انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ( على لفظ من، وفأولئك على معنى من، والفاء جواب الشرط، وظلمه مصدر مضاف إلى المفعول. قال الزمخشري : ويفسره قراءة من قرأ : بعد ما ظلم ما عليهم من سبيل، قيل : أي من طريق إلى الحرج ؛ وقيل : من سبيل للمعاقب، ولا المعاقب والعاتب، وهذه مبالغة في إباحة الانتصار. ) إِنَّمَا السَّبِيلُ ( : أي سبيل الإثم والحرج، ( عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ ( : أي يبتذلون بالظلم، ( وَيَبْغُونَ فِى الاْرْضِ ( : أي يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون. وقيل : ويظلمون الناس : أي يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد واللسان. والبغي بغير الحق، فهو نوع من أنواع الظلم، خصه بالذكر تنبيهاً على شدته وسوء حال صاحبه. انتهى. ) وَلَمَن صَبَرَ ( : أي على الظلم والأذى، ( وَغَفَرَ (، ولم ينتصر. واللام في ولمن يجوز أن تكون اللام الموطئة القسم المحذوف، ومن شرطية، وجواب القسم قوله :) إِنَّ ذالِكَ (، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه. ويجوز أن تكون اللام لام الابتداء، ومن موصولة مبتدأ، والجملة المؤكدة بأن في موضع الخبر. وقال الحوفي : من رفع بالابتداء وأضمر الخبر، وجواب الشرط إن وما تعلقت به على حذف الفاء، كما قال الشاعر : من يفعل الحسنات الله يشكرها


الصفحة التالية
Icon