" صفحة رقم ٦١ "
تجمع، وتدخر الباقي عدة. وفي الحديث :( النهي عن قتل أربع من الدواب : الهدهد والصرد والنملة والنحلة )، خرجه أبو داود عن ابن عباس. وروي من حديث أبي هريرة : وتبسم سليمان عليه السلام، إما للعجب بما دل عليه قولها :) وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (، وهو إدراكها رحمته وشفقته ورحمة عسكره، وإما للسرور بما آتاه الله مما لم يؤت أحداً، وهو إدراكه قول ما همس به، الذي هو مثل في الصغر، ولذلك دعا أن يوزعه الله شكر ما أنعم به عليه. وانتصب ضاحكاً على الحال، أي شارعاً في الضحك ومتجاوزاً حد التبسم إلى الضحك، ولما كان التبسم يكون للاستهزاء وللغضب، كما يقولون، تبسم تبسم الغضبان، وتبسم تبسم المستهزىء، وكان الضحك إنما يكون للسرور والفرح، أتى بقوله :) ضَاحِكاً ). وقرأ ابن السميفع : ضحكاً، جعله مصدراً، لأن تبسم في معنى ضحك، فانتصابه على المصدر به، أو على أنه مصدر في موضع الحال، كقراءة ضاحكاً.
( وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى ( : أي اجعلني شكر نعمتك وآلفه وأرتبطه، حتى لا ينفلت عني، حتى لا أنفك شاكراً لك. وقال ابن عباس : أوزعني : اجعلني أشكر. وقال ابن زيد : حرضني. وقال أبو عبيدة : أولعني. وقال الزجاج : امنعني عن الكفران. وقيل : ألهمني الشكر، وأدرج ذكر نعمة الله على والديه في أن يشكرهما، كما يشكر نعمة الله على نفسه، لما يجب للوالد على الولد من الدعاء لهما والبر بهما، ولا سيما إذا كان الولد تقياً لله صالحاً، فإن والديه ينتفعان بدعائه وبدعاء المؤمنين لهما بسببه، كقولهم : رحم الله من خلفك، رضي الله عنك وعن والديك. ولما سأل ربه شيئاً خاصاً، وهو شكر النعمة، سأل شيئاً عاماً، وهو أن يعمل عملاً يرضاه الله تعالى، فاندرج فيه شكر النعمة، فكأنه سأل إيزاع الشكر مرتين، ثم دعا أن يلحق بالصالحين. قال ابن زيد : هم الأنبياء والمؤمنون، وكذا عادة الأنبياء أن يطلبوا جعلهم من الصالحين، كما قال يوسف عليه السلام :) تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ ). وقال تعالى، عن إبراهيم عليه السلام :) وَإِنَّهُ فِى الاْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ). قيل : لأن كمال الصلاح أن لا يعصي الله تعالى ولا يهم بمعصية، وهذه درجة عالية.
( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لِىَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لاعَذّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لاَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّى بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْء وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْء فِي السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَب بّكِتَابِى هَاذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ).
الظاهر أنه تفقد جميع الطير، وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والاهتمام بالرعايا. قيل : وكان يأتيه من كل صنف واحد، فلم ير الهدهد. وقيل : كانت الطير تظله من الشمس، وكان الهدهد يستر مكانه الأيمن، فمسته الشمس، فنظر إلى مكان الهدهد، فلم يره. وعن عبد الله بن سلام : أن سليمان عليه السلام نزل بمفازة لا ماء فيها، وكان الهدهد يرى ظاهر الأرض وباطنها، وكان يخبر سليمان بذلك، فكانت الجن تخرجه في ساعة تسلخ الأرض كما تسلخ الشاة، فسأل عنه حين حلوا تلك المفازة، لاحتياجهم إلى الماء. وفي قوله ) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ( دلالة على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم. وقال عمر رضي الله عنه : لو أن سخلة على شاطىء الفرات أخذها الذئب لسئل عنها عمر، وفي الكلام محذوف، أي فقد الهدهد حين تفقد الطير.
قال ابن عطية وقوله :) مَا لِى لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ (، مقصد الكلام الهدهد، غاب ولكنه أخذ اللازم عن مغيبه، وهو أن لا يراه، فاستفهم على جهة التوقيف عن اللازم، وهذا ضرب من الإيجاز والاستفهام الذي في قوله :) مَا لِى (،