" صفحة رقم ٨٣ "
فعلنا بثمود، وهو استئصالنا لهم بالتدمير، وخلاء مساكنهم منهم، وبيوتهم هي بوادي القرى بين المدينة والشام.
( وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ ءامَنُواْ (، أي بصالح من العذاب الذي حل بالكفار، وكان الذين آمنوا به أربعة آلاف، خرج بهم صالح إلى حضرموت، وسميت حضرموت لأن صالحاً عليه السلام لما دخلها مات بها، وبنى المؤمنون بها مدينة يقال لها : حاضورا. وأما الهالكون فخرج بأبدانهم خراج مثل الحمص، احمر في اليوم الأول، ثم اصفر في الثاني، ثم اسود في الثالث، وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وهلكوا يوم الأحد. قال مقاتل : تفتقت تلك الخراجات، وصاح جبريل عليه السلام بهم صيحة فحمدوا.
( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ النّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ).
) وَلُوطاً ( : عطف على ) صَالِحاً (، أي وأرسلنا لوطاً، أو على ) الَّذِينَ كَفَرُواْ (، أي وأنجينا لوطاً، أو باذكر مضمرة، وإذ بدل منه، أقوال. و ) أَتَأْتُونَ ( : استفهام إنكار وتوبيخ، وأبهم أولاً في قوله :) الْفَاحِشَةُ (، ثم عينها في قوله :) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ (، وقوله :) وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ( : أي تعلمون قبح هذا الفعل المنكر الذي أحدثتموه، وأنه من أعظم الخطايا، والعلم بقبح الشيء مع إتيانه أعظم في الذنب، أو آثار العصاة قبلكم، أو ينظر بعضكم إلى بعض لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك مجانة وعدم اكتراث بالمعصية الشنعاء، أقوال ثلاثة. وانتصب ) شَهْوَةً ( على أنه مفعول من أجله، و ) تَجْهَلُونَ ( غلب فيه الخطاب، كما غلب في ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ). ومعنى :) تَجْهَلُونَ (، أي عاقبة ما أنتم عليه، أو تفعلون فعل السفهاء المجان، أو فعل من جهل أنها معصية عظيمة مع العلم أقوال. ولما أنكر عليهم ونسب إلى الجهل، ولم تكن لهم حجة فيما يأتونه من الفاحشة، عدلوا إلى المغالبة والإيذاء، وتقدم معنى يتطهرون في الأعراف. وقرأ الجمهور :) جَوَابَ ( بالنصب ؛ والحسن، وابن أبي إسحاق : بالرفع، والجمهور :) قَدَّرْنَاهَا (، بتشديد الدال ؛ وأبو بكر بتخفيفها، وباقي الآية تقدم تفسير نظيره في الأعراف. وساء : بمعنى بئس، والمخصوص بالذم محذوف، أي مطرهم.
( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى اللَّهِ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ ).
لما فرغ من قصص هذه السورة، أمر رسوله ( ﷺ ) ) بحمده تعالى والسلام على المصطفين، وأخذ في مباينة واجب الوجود، الله تعالى، ومباينة الأصنام والأديان التي أشركوها مع الله وعبدوها. وابتدأ في هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمدلة، وكأنها صدر خطبة لما يلقى من البراهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة. وقد اقتدى بذلك المسلمون في تصانيف كتبهم وخطبهم ووعظهم، فافتتحوا بتحميد الله، والصلاة على محمد رسول الله ( ﷺ ) )، وتبعهم المترسلون في أوائل كتب الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن. وقيل : هو متصل بما قبله، وأمر الرسول عليه السلام بتحميد الله على هلاك الهالكين من