" صفحة رقم ٢١٧ "
الأولية والآخرية ؛ والثانية على أنه الجامع بين الظهور والخفاء ؛ وأما الوسطى فعل أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الأخريين. فهو المستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية، وهو في جميعها ظاهر وباطن. جامع الظهور بالأدلة والخفاء، فلا يدرك بالحواس ؛ وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال.
الحديد :( ٤ ) هو الذي خلق.....
( يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى الاْرْضِ ( من المطر والأموات وغير ذلك، ( وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ( من النبات والمعادن وغيرها، ( وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء ( من الملائكة والرحمة والعذاب وغيره، ( وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ( من الملائكة وصالح الأعمال وسيئها، ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ( : أي بالعلم والقدرة. قال الثوري : المعني علمه معكم، وهذه آية أجمعت الأمّة على هذا التأويل فيها، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات، وهي حجة على من منع التأويل في غيرها مما يجري مجراها من استحالة الحمل على ظاهرها. وقال بعض العلماء : فيمن يمتنع من تأويل ما لا يمكن حمله على ظاهره، وقد تأول هذه الآية، وتأول الحجر الأسود يمين الله في الأرض، لو اتسع عقله لتأول غير هذا مما هو في معناه.
الحديد :( ٥ ) له ملك السماوات.....
وقرأ الجمهور ؛ ) تُرْجَعُ (، مبنياً للمفعول ؛ والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج : مبنياً للفاعل ؛ والأمور عام في جميع الموجودات، أعراضها وجواهرها. وتقدم شرح ما قبل هذا وما بعده، فأغنى عن إعادته.
( ءامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ هُوَ الَّذِى يُنَزّلُ عَلَى عَبْدِهِ ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ ).
الحديد :( ٧ ) آمنوا بالله ورسوله.....
لما ذكر تعالى تسبيح العالم له، وما احتوى عليه من الملك، والتصرف، وما وصف به نفسه من الصفات العلا، وختمها بالعالم بخفيات الصدور، أمر تعالى عباده المؤمنين بالثبات على الإيمان وإدامته، والنفقة في سبيل الله تعالى. قال الضحاك : نزلت في غزوة تبوك. ) مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ( : أي ليست لكم بالحقيقة، وإنما انتقلت إليكم من غيركم. وكما وصلت إليكم تتركونها لغيركم، وفيه تزهيد فيما بيد الناس، إذ مصيره إلى غيره، وليس له منه إلا ما جاء في الحديث :( يقول ابن آدم : مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ). وقيل لأعرابي : لمن هذه الإبل ؟ فقال : هي لله تعالى عندي. أو يكون المعنى : إنه تعالى أنشأ هذه الأموال، فمتعكم بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى.
ثم ذكر تعالى ما للمؤمن المنفق من الأجر، ووصفة بالكرم ليصرعه في أنواع الثواب. قيل : وفيه إشارة إلى عثمان بن عفان، حيث بذل تلك النفقة العظيمة في جيش العسرة،
الحديد :( ٨ ) وما لكم لا.....
ثم قال :) وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (، وهو استفهام على سبيل التأنيب والإنكار : أي كيف لا تثبتون على الإيمان ؟ ودواعي ذلك موجودة، وذلك ركزة فيكم من دلائل العقل. وموجب ذلك من السمع في قوله :) وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ ( لهذا الوصف الجليل. وقد تقدم أخذ الميثاق عليكم بالإيمان، فدواعي الإيمان موجودة، وأسبابه حاصلة، فلا مانع منه، ولا عذر في تركه. و ) لاَ تُؤْمِنُونَ ( حال، كما تقول : ما لك لا تقوم تنكر عليه انتفاء قيامه ؟