" صفحة رقم ٢٣٣ "
النزول، وهو ما يشبع من غير تحديد بمدّ. ومذهب مالك أنه مد وثلث بالمدّ النبوي، ويجب استيعاب العدد ستين عند مالك والشافعي، وهو الظاهر. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو أطعم مسكيناً واحداً كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه. ) ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ (، قال ابن عطية : إشارة إلى الرجعة والتسهيل في الفعل من التحرير إلى الصوم والإطعام. ثم شدّد تعالى بقوله :) وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ( : أي فالزموها وقفوا عندها. ثم توعد الكافرين بهذا الحكم الشرعي. وقال الزمخشري : ذلك البيان والتعليم للأحكام والتنبيه عليها، لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه التي شرعها في الظهار وغيره، ورفض ما كنتم عليه من جاهليتكم، ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ( التي لا يجوز تعديها، ( وَلِلْكَافِرِينَ ( الذين لا يتبعونها ولا يعملون عليها ) عَذَابٌ أَلِيمٌ ). انتهى.
المجادلة :( ٥ - ٦ ) إن الذين يحادون.....
( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( : نزلت في مشركي قريش، أخزوا يوم الخندق بالهزيمة، كما أخزى من قاتل الرسل من قبلهم. ولما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده، ذكر المحادّين المخالفين لها، والمحادة : المعاداة والمخالفة في الحدود. ) كتبوا (، قال قتادة : أخزوا. وقال السدي : لعنوا. قيل : وهي لغة مذحج. وقال ابن زيد وأبو روق : ردّوا مخذولين. وقال الفراء : غيظوا يوم الخندق. ) كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( : أي من قاتل الأنبياء. وقيل : يوم بدر. وقال أبو عبيدة والأخفش : أهلكوا. وعن أبي عبيدة : التاء بدل من الدال، أي كبدوا : أصابهم داء في أكبادهم. قيل : والذين من قبلهم منافقو الأمم. قيل : وكبتوا بمعنى سيكبتون، وهي بشارة للمؤمنين بالنصر. وعبر بالماضي لتحقق وقوعه، وتقدّم الكلام في مادة كبت في آل عمران.
( وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ ( على صدق محمد ( ﷺ ) )، وصحة ما جاء به. ) وَلِلْكَافِرِينَ ( : أي الذين يحادّونه، ( عَذَابٌ مُّهِينٌ ( : أي يهينهم ويذلهم. والناصب ليوم يبعثهم العامل في للكافرين أو مهين أو اذكر أو يكون على أنه جواب لمن سأل متى يكون عذاب هؤلاء ؟ فقيل له :) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهِ ( : أي يكون يوم يبعثهم الله، وانتصب ) جَمِيعاً ( على الحال : أي مجتمعين في صعيد واحد، أو معناه كلهم، إذ جميع يحتمل ذينك المعنيين ؛ ) فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ (، تخجيلاً لهم وتوبيخاً. ) أَحْصَاهُ ( بجميع تفاصيله وكميته وكيفيته وزمانه ومكانه. ) وَنَسُوهُ ( لاستحقارهم إياه واحتقارهم أنه لا يقع عليه حساب. ) شَهِيدٌ ( : لا يخفى عليه شيء.
المجادلة :( ٧ ) ألم تر أن.....
وقرأ الجمهور : ما يكون بالياء ؛ وأبو جعفر وأبو حيوة وشيبة : بالتاء لتأنيث النجوى.
قال صاحب اللوامح : وإن شغلت بالجار، فهي بمنزلة : ما جاءتني من امرأة، إلا أن الأكثر في هذا الباب التذكير على ما في العامة، يعني القراءة العامة، قال : لأنه مسند إلى ) مِن نَّجْوَى ( وهو يقتضي الجنس، وذلك مذكر. انتهى. وليس الأكثر في هذا الباب التذكير، لأن من زائدة. فالفعل مسند إلى مؤنث، فالأكثر التأنيث، وهو القياس، قال تعالى :) وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايَاتِ رَبّهِمْ (، ( مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا (، ويكون هنا تامة، ونجوى احتمل أن تكون مصدراً مضافاً إلى ثلاثة، أي من تناجي ثلاثة، أو مصدراً على حذف مضاف، أي من ذوي نجوى، أو مصدراً أطلق على الجماعة المتناجين، فثلاثة : على هذين التقديرين. قال ابن عطية : بدل أو صفة. وقال الزمخشري : صفة. وقرأ ابن أبي عبلة ثلاثة وخمسة بالنصب على الحال، والعامل يتناجون مضمرة يدل عليه نجوى. وقال الزمخشري : أو على تأويل نجوى بمتناجين ونصبها من المستكن فيه. وقال ابن عيسى : كل سرار نجوى. وقال ابن سراقة : السرار ما كان بين اثنين، والنجوى ما كان بين أكثر. قيل : نزلت في المنافقين، واختص الثلاثة والخمسة لأن المنافقين كانوا يتناجون على هذين العددين مغايظة لأهل الإيمان ؛ والجملة بعد إلا في المواضع الثلاثة في موضع الحال، وكونه تعالى رابعهم وسادسهم ومعهم بالعلم وإدراك ما يتناجون به. وقال ابن عباس : نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية، تحدّثوا فقال أحدهم : أترى الله يعلم ما نقول ؟ فقال الآخر : يعلم بعضاً ولا يعلم بعضاً، فقال الثالث : إن كان يعلم بعضاً فهو يعلمه كله.
( وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ ( : إشارة إلى الثلاثة والخمسة، والأدنى من الثلاثة الاثنين، ومن الخمسة الأربعة ؛ ولا أكثر يدل على ما يلي الستة فصاعداً. وقرأ الجمهور :) وَلاَ أَكْثَرَ ( عطفاً على لفظ المخفوض ؛ والحسن وابن أبي إسحاق والأعمش وأبو حيوة وسلام ويعقوب : بالرفع عطفاً على موضع نجوى إن أريد به