" صفحة رقم ٢٦٨ "
إلى سوء ما عملوا، فالمعنى : ساء عملهم بأن كفروا. وقال الزمخشري : ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالاً بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا، أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستخفاف بالإيمان، أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا. وقرأ الجمهور :) فَطُبِعَ ( مبنياً للمفعول ؛ وزيد بن علي : مبنياً للفاعل : أي فطبع الله ؛ وكذا قراءة الأعمش وزيد في رواية مصرحاً بالله. ويحتمل على قراءة زيد الأولى أن يكون الفاعل ضميراً يعود على المصدر المفهوم من ما قبله، أي فطبع هو، أي بلعبهم بالدين. ومعنى ) ءامَنُواْ ( : نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل المسلمون، ( ثُمَّ كَفَرُواْ ( : أي ظهر كفرهم بما نطقوا به من قولهم : لئن كان محمد ما يقوله حقاً فنحن شر من الحمير، وقولهم : أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر ؟ هيهات، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين وبالكفر عند شياطينهم، أو ذلك فيمن آمن ثم ارتد.
المنافقون :( ٤ ) وإذا رأيتهم تعجبك.....
( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ( : الخطاب للرسول ( ﷺ ) )، أو للسامع : أي لحسنها ونضارتها وجهارة أصواتهم، فكان منظرهم يروق، ومنطقهم يحلو. وقرأ الجمهور :) تُسْمِعُ ( بتاء الخطاب ؛ وعكرمة وعطية العوفي : يسمع بالياء مبنياً للمفعول، و ) لِقَوْلِهِمْ ( : الجار والمجرور هو المفعول الذي لم يسم فاعله، وليست اللام زائدة، بل ضمن يسمع معنى يصغ ويمل، تعدى باللام وليست زائدة، فيكون قولهم هو المسموع. وشبهوا بالخشب لعزوب أفهامهم وفراغ قلوبهم من الإيمان، ولم يكن حتى جعلها مسندة إلى الحائط، لا انتفاع بها لأنها إذا كانت في سقف أو مكان ينتفع بها، وأما إذا كانت غير منتفع بها فإنها تكون مهملة مسندة إلى الحيطان أو ملقاة على الأرض قد صففت، أو شهوة بالخشب التي هي الأصنام وقد أسندت إلى الحيطان، والجملة التشبيهية مستأنفة، أو على إضمارهم. وقرأ الجمهور :) خُشُبٌ ( بضم الخاء والشين ؛ والبراء بن عازب والنحويان وابن كثير : بإسكان الشين، تخفيف خشب المضموم. وقيل : جمع خشباء، كحمر جمع حمراء، وهي الخشبة التي نخر جوفها، شبهوا بها في فساد بواطنهم. وقرأ ابن المسيب وابن جبير : خشب بفتحتين، اسم جنس، الواحد خشبة، وأنث وصفه كقوله :) أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (، أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام. وذكر ممن كان ذا بهاء وفصاحة عبد الله بن أبيّ، والجد بن قيس، ومعتب بن قشير. قال الشاعر في مثل هؤلاء : لا تخدعنك اللحى ولا الصور
تسعة أعشار من ترى بقر
تراهم كالسحاب منتشرا
وليس فيها لطالب مطر
في شجر السرو منهم شبه
له رواء وما له ثمر
وقيل : الجملة التشبيهية وصف لهم بالجبن والخور، ويدل عليه :) يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ( في موضع المفعول الثاني ليحسبون، أي واقعة عليهم، وذلك لجبنهم وما في قلوبهم من الرعب. قال مقاتل : كانوا متى سمعوا بنشدان ضالة أو صياحاً بأي وجه كان، أو أخبروا بنزول وحي، طارت عقولهم حتى يسكن ذلك ويكون في غير شأنهم، وكانوا يخافون أن ينزل الله تعالى فيهم ما تباح به دماؤهم وأموالهم، ونحو هذا قول الشاعر : يروعه السرار بكل أرض
مخافة أن يكون به السرار
وقال جرير : ما زلت تحسب كل شيء بعدهم
خيلاً تكر عليهم ورجالا
أنشده ابن عطية لجرير، ونسب هذا البيت الزمخشري للأخطل. قال : ويجوز أن يكون ) هُمُ الْعَدُوُّ ( المفعول


الصفحة التالية
Icon