" صفحة رقم ٢٦٩ "
الثاني كما لو طرحت الضمير. فإن قلت : فحقه أن يقول : هي العدو. قلت : منظور فيه إلى الخبر، كما ذكر في هذا ربي، وأن يقدر مضاف محذوف على يحسبون كل أهل صيحة. انتهى. وتخريج ) هُمُ الْعَدُوُّ ( على أنه مفعول ثان ليحسبون تخريج متكلف بعيد عن الفصاحة، بل المتبادر إلى الذهن السليم أن يكون ) هُمُ الْعَدُوُّ ( إخباراً منه تعالى بأنهم، وإن أظهروا الإسلام وأتباعهم، هم المبالغون في عداوتك ؛ ولذلك جاء بعده أمره تعالى إياه بحذرهم فقال :) فَاحْذَرْهُمْ (، فالأمر بالحذر متسبب عن إخباره بأنهم هم العدو. و ) قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ( : دعاء يتضمن إبعادهم، وأن يدعو عليهم المؤمنون بذلك. ) أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( : أي كيف يصرفون عن الحق، وفيه تعجب من ضلالهم وجهلهم.
ولما أخبره تعالى بعداوتهم، أمره بحذرهم، فلا يثق بإظهار مودتهم، ولا بلين كلامهم. و ) قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ( : كلمة ذم وتوبيخ، وقالت العرب : قاتله الله ما أشعره. يضعونه موضع التعجب، ومن قاتله الله فهو مغلوب، لأنه تعالى هو القاهر لكل معاند. وكيف استفهام، أي كيف يصرفون عن الحق ولا يرون رشد أنفسهم ؟ قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون أنى ظرفاً لقاتلهم، كأنه قال : قاتلهم الله كيف انصرفوا أو صرفوا، فلا يكون في هذا القول استفهام على هذا. انتهى. ولا يصح أن يكون أنى لمجرد الظرف، بل لا بد يكون ظرفاً استفهاماً، إما بمعنى أين، أو بمعنى متى، أو بمعنى كيف، أو شرطاً بمعنى أين. وعلى هذه التقادير لا يعمل فيها ما قبلها، ولا تتجرد لمطلق الظرفية بحال من غير اعتبار ما ذكرناه، فالقول بذلك باطل.
المنافقون :( ٥ ) وإذا قيل لهم.....
ولما صدق الله زيد بن أرقم فيما أخبر به عن ابن سلول، مقت الناس ابن سلول ولامه المؤمنون من قومه، وقال له بعضهم : امض إلى رسول الله ( ﷺ ) ) واعترف بذنبك يستغفر لك، فلوّى رأسه إنكاراً لهذا الرأي، وقال لهم : لقد أشرتم عليّ بالإيمان فآمنت، وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد ويستغفر مجزوم على جواب الأمر، ورسول الله يطلب عاملان، أحدهما ) يَسْتَغْفِرِ (، والآخر ) تَعَالَوْاْ ( ؛ فأعمل الثاني على المختار عند أهل البصرة، ولو أعمل الأول لكان التركيب : تعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله ( ﷺ ) ). وقرأ مجاهد ونافع وأهل المدينة وأبو حيوة وابن أبي عبلة والمفضل وأبان عن عاصم والحسن ويعقوب، بخلاف عنهما :) لَوَّوْاْ (، بفتح الواو ؛ وأبو جعفر والأعمش وطلحة وعيسى وأبو رجاء والأعرج وباقي السبعة : بشدها للتكثير. وليّ رءوسهم، على سبيل الاستهزاء واستغفار الرسول لهم، هو استتابتهم من النفاق، فيستغفر لهم، إذ كان استغفاره متسبباً عن استتابتهم، فيتوبون وهم يصدون عن المجيء واستغفار الرسول. وقرىء : يصدون ويصدون، جملة حالية، وأتت بالمضارع ليدل على استمرارهم، ( وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ( : جملة حالية أيضاً.
المنافقون :( ٦ ) سواء عليهم أستغفرت.....
ولما سبق في علمه تعالى أنهم لا يؤمنون البتة، سوى بين استغفاره لهم وعدمه. وحكى مكي أنه عليه الصلاة والسلام كان استغفر لهم لأنهم أظهروا له الإسلام. وقال ابن عباس : نزلت هذه بعد قوله تعالى في براءة أن تستغفر لهم سبعين مرة، وقوله عليه الصلاة والسلام :( سوف أستغفر لهم زيادة على السبعين )، فنزلت هذه الآية، فلم يبق للاستغفار وجه. وقرأ الجمهور :) أَسْتَغْفَرْتَ ( بهمزة التسوية التي أصلها همزة الاستفهام، وطرح ألف الوصل ؛ وأبو جعفر : بمدة على الهمزة. قيل : هي عوض من همزة الوصل، وهي مثل المدة في قوله :) قُلْ مَا حَرَّمَ (، لكن هذه المدة في الاسم لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يحتاج ذلك في الفعل، لأن همزة الوصل فيه مكسورة. وعن أبي جعفر أيضاً : ضم ميم عليهم، إذ أصلها الضم، ووصل الهمزة. وروى معاذ بن معاذ العنبري، عن أبي عمرو : كسر الميم على أصل التقاء الساكنين، ووصل الهمزة، فتسقط في القراءتين، واللفظ خبر، والمعنى على الاستفهام، والمراد التسوية، وجاز حذف الهمزة لدلالة أم عليها، كما دلت على حذفها في قوله :
بسبع رمينا الجمر أم بثمان


الصفحة التالية
Icon