" صفحة رقم ٣٦٧ "
ترى إلى ذلك الرجل وقوله حين رأي رسول ( ﷺ ) )، فعلمت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وأسلم من فوره. وقيل : ثم نظر فيما يحتج به للقرآن، فرأى ما فيه من الإعجاز والإعلام بمرتبة الرسول ( ﷺ ) )، ودام نظره في ذلك. ) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (، دلالة على تأنيه وتمهله في تأمّله، إذ بين ذلك تراخ وتباعد. وكان العطف في ) وَبَسَرَ ( وفي ) وَاسْتَكْبَرَ (، لأن البسور قريب من العبوس، فهو كأنه على سبيل التوكيد والاستكبار يظهر أنه سبب للادبار، إذ الاستكبار معنى في القلب، والإدبار حقيقة من فعل الجسم، فهما سبب ومسبب، فلا يعطف بثم ؛ وقدّم المسبب على السبب لأنه الظاهر للعين، وناسب العطف بالواو ؛ وكان العطف في
المدثر :( ٢٤ ) فقال إن هذا.....
فقال بالفاء دلالة على التعقيب، لأنه لما خطر بباله هذا القول بعد تطلبه، لم يتمالك أن نطق به من غير تمهل. ومعنى ) يُؤْثَرُ ( : يروي وينقل، قال الشاعر : لقلت من القول ما لا يزا
ل يؤثر عني به المسند
وقيل :) يُؤْثَرُ ( أي يختار ويرجح على غيره من السحر فيكون من الإيثار، ومعنى ) إِلاَّ سِحْرٌ ( : أي شبيه بالسحر.
المدثر :( ٢٥ ) إن هذا إلا.....
( إِنْ هَاذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ ( : تأكيد لما قبله، أي يلتقط من أقوال الناس، ويظهر أن كفر الوليد إنما هو عناد. ألا ترى ثناءه على القرآن، ونفيه عنه جميع ما نسبوا إليه من الشعر والكهانة والجنون، وقصته مع رسول الله ( ﷺ ) ) حين قرأ عليه أوائل سورة فصلت إلى قوله تعالى :) فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (، وكيف ناشدة الله بالرحم أن يسكت ؟
المدثر :( ٢٦ ) سأصليه سقر
) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (، قال الزمخشري : بدل من ) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ). انتهى. ويظهر أنهما جملتان اعتقبت كل واحدة، منهما فتوعد على سبيل التوعد العصيان الذي قبل كل واحدة منهما، فتوعد على كونه عنيداً لآيات الله بإرهاق صعود، وعلى قوله بأن القرآن سحر يؤثر بإصلائه سقر، وتقدّم الكلام على سقر في أواخر سورة القمر.
المدثر :( ٢٧ ) وما أدراك ما.....
( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ( : تعظيم لهولها وشدتها،
المدثر :( ٢٨ ) لا تبقي ولا.....
( لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ ( : أي لا تبقي على من ألقي فيها، ولا تذر غاية من العذاب إلا أوصلته إليه.
المدثر :( ٢٩ ) لواحة للبشر
) لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ (، قال ابن عباس ومجاهد وأبو رزين والجمهور : معناه مغيرة للبشرات محرقة للجلود مسوّدة لها، والبشر جمع بشرة، وتقول العرب : لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسوّدته. وقال الحسن وابن كيسان : لوّاحة بناء مبالغة من لاح إذا ظهر، والمعنى أنها تظهر للناس، وهم البشر، من مسيرة خمسمائة عام، وذلك لعظمها وهولها وزجرها، كقوله تعالى :) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (، وقوله :) وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ). وقرأ الجمهور :) لَوَّاحَةٌ ( بالرفع، أي هي لوّاحة. وقرأ العوفي وزيد بن عليّ والحسن وابن أبي عبلة : لواحة بالنصب على الحال المؤكدة، لأن النار التي لا تبقي ولا تذر لا تكون إلا مغيرة للإبشار. وقال الزمخشري : نصباً على الاختصاص للتهويل.
المدثر :( ٣٠ - ٣١ ) عليها تسعة عشر
) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ( : التمييز محذوف، والمتبادر إلى الذهن أنه ملك. ألا ترى العرب وهم الفصحاء كيف فهموا منه أن المراد ملك حين سمعوا ذلك ؟ فقال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمّهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم ؟ فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين، فأنزل الله تعالى :) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلَئِكَةً ( أي ما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون، وأنزل الله تعالى في أبي جهل ) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ). وقيل : التمييز المحذوف صنفاً من الملائكة، وقيل : نقيباً، ومعنى عليها يتولون أمرها وإليهم جماع زبانيتها، فالذي يظهر من العدد ومن الآية بعد ذلك ومن الحديث أن هؤلاء هم النقباء. ألا ترى إلى قوله تعالى :) وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ (، وقوله عليه الصلاة والسلام :( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) ؟ وقد ذكر المفسرون من نعوت هؤلاء الملائكة وخلقهم وقوتهم، وما أقدرهم الله تعالى عليه من الأفعال ما الله أعلم بصحته، وكذلك ذكر أبو عبد الله الرازي حكماً على زعمه في كون هؤلاء الملائكة على هذا العدد المخصوص يوقف


الصفحة التالية
Icon