" صفحة رقم ٣٦٨ "
عليها في تفسيره.
وقرأ الجمهور :) تِسْعَةَ عَشَرَ ( مبنيين على الفتح على مشهور اللغة في هذا العدد. وقرأ أبو جعفر وطلحة بن سليمان : بإسكان العين، كراهة توالي الحركات. وقرأ أنس بن مالك وابن عباس وابن قطيب وإبراهيم بن قنة : بضم التاء، وهي حركة بناء عدل إليها عن الفتح لتوالي خمس فتحات، ولا يتوهم أنها حركة إعراب، لأنها لو كانت حركة إعراب لأعرب عشر. وقرأ أنس أيضاً : تسعة بالضم، أعشر بالفتح. وقال صاحب اللوامح : فيجوز أنه جمع العشرة على أعشر ثم أجراه مجرى تسعة عشر، وعنه أيضاً تسعة وعشر بالضم، وقلب الهمزة من أعشر واواً خالصة تخفيفاً، والباء فيهما مضمومة ضمة بناء لأنها معاقبة للفتحة، فراراً من الجمع بين خمس حركات على جهة واحدة. وعن سليمان بن قنة، وهو أخو إبراهيم : أنه قرأ تسعة أعشر بضم التاء ضمة إعراب وإضافته إلى أعشر، وأعشر مجرور منون وذلك على فك التركيب. قال صاحب اللوامح : ويجيء على هذه القراءة، وهي قراءة من قرأ أعشر مبنياً أو معرباً من حيث هو جمع، أن الملائكة الذين هم على النار تسعون ملكاً. انتهى، وفيه بعض تلخيص. قال الزمخشري : وقرىء تسعة أعشر جمع عشير، مثل يمين وأيمن. انتهى. وسليمان بن قنة هذا هو الذي مدح أهل بيت رسول الله ( ﷺ ) )، وهو القائل : مررت على أبيات آل محمد
فلم أر أمثالاً لها يوم حلت
وكانوا ثمالاً ثم عادوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلَئِكَةً ( : أي جعلناهم خلقاً لا قبل لأحد من الناس بهم، ( وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ ( : أي سبب فتنة، وفتنة مفعول ثان لجعلنا، أي جعلنا تلك العدّة، وهي تسعة عشر، سبباً لفتنة الكفار، فليس فتنة مفعولاً من أجله، وفتنهم هي كونهم أظهروا مقاومتهم في مغالبتهم، وذلك على سبيل الاستهزاء. فإنهم يكذبون بالبعث وبالنار وبخزنتها. ) لِيَسْتَيْقِنَ ( : هذا مفعول من أجله، وهو متعلق بجعلنا لا بفتنة. فليست الفتنة معلولة للاستيقان، بل المعلول جعل العدّة سبباً لفتنة ) الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ (، وهم اليهود والنصارى. إنّ هذا القرآن هو من عند الله، إذ هم يجدون هذه العدّة في كتبهم المنزلة، ويعلمون أن الرسول لم يقرأها ولا قرأها عليه أحد، ولكن كتابة يصدّق كتب الأنبياء، إذ كل ذلك حق يتعاضد من عند الله تعالى. قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد، وبورود الحقائق من عند الله يزداد كل ذي إيمان إيماناً، ويزول الريب عن المصدّقين من أهل الكتاب وعن المؤمنين. وقيل : إنما صار جعلها فتنة لأنهم يستهزئون ويقولون : لم لم يكونوا عشرين ؟ وما المقتضى لتخصيص هذا العدد بالوجود ؟ ويقولون هذا العدد القليل، يقوون بتعذيب أكثر العالم من الجن والإنس من أول ما خلق الله تعالى إلى قيام الساعة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : قد جعل افتتان الكافرين بعدّة الزبانية سبباً لاستيقان أهل الكتاب وزيادة إيمان المؤمنين واستهزاء الكافرين والمنافقين، فما وجه صحة ذلك ؟ قلت : ما جعل افتتانهم بالعدّة سبباً لذلك، وإنما العدّة نفسها هي التي جعلت سبباً، وذلك أن المراد بقوله :) وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ ( : وما جعلنا عدّتهم إلا تسعة عشر ؛ فوضع ) فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ ( موضع تسعة عشر، لأن حال هذه العدّة الناقصة واحداً من عقد العشرين، أن يفتتن بها من لا يؤمن بالله وبحكمته ويعترض ويستهزىء ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفي عليه وجه الحكمة، كأنه قيل : ولقد جعلنا عدّتهم عدّة من شأنها أن يفتتن بها لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين. انتهى، وهو سؤال عجيب وجواب فيه تحريف كتاب الله تعالى، إذ زعم أن معنى ) إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ ( : إلا تسعة عشر، وهذا لا يذهب إليه عاقل ولا من له أدنى ذكاء ؛ وكفى ردّاً عليه تحريف كتاب الله ووضع ألفاظ مخالفة لألفاظ ومعنى مخالف لمعنى. وقيل :) لِيَسْتَيْقِنَ ( متعلق بفعل مضمر، أي فعلنا ذلك ليستيقن. ) وَلاَ يَرْتَابَ ( : توكيد لقوله ) لِيَسْتَيْقِنَ (، إذ إثبات اليقين ونفي الارتياب أبلغ وآكد في الوصف لسكون النفس السكون التام.
و ) الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ (، قال الحسين بن