" صفحة رقم ٣٦٩ "
الفضل : السورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، وإنما المرض في الآية : الاضطراب وضعف الإيمان. وقيل : هو إخبار بالغيب، أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة :) مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَاذَا مَثَلاً ). لما سمعوا هذا العدد لم يهتدوا وحاروا، فاستفهم بعضهم بعضاً عن ذلك استبعاداً أن يكون هذا من عند الله، وسموه مثلاً استعارة من المثل المضروب استغراباً منهم لهذا العدد، والمعنى : أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب ؟ ومرادهم إنكار أصله وأنه ليس من عند الله، وتقدّم إعراب مثل هذه الجملة في أوائل البقرة.
( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ).
الكاف في محل نصب، وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى، أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى، يضل الكافرين فيشكون فيزيدهم كفراً وضلالاً، ويهدي المؤمنين فيزيدهم إيماناً. ) وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ ( : إعلام بأن الأمر فوق ما يتوهم، وأن الجزاء إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها، والسماء عامرة بأنواع من الملائكة. وفي الحديث :( أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً ). ) وَمَا هِىَ ( : أي النار، قاله مجاهد، أو المخاطبة والنذارة، أو نار الدنيا، أو الآيات التي ذكرت، أو العدّة التسعة عشر، أو الجنود، أقوال راجحها الأول وهي سقر، ذكر بها البشر ليخافوا ويطيعوا. وقد جرى ذكر النار أيضاً في قوله :) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ الْمَلَائِكَةَ ). ) إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ( : أي الذين أهلوا للتذكر والاعتبار.
المدثر :( ٣٢ ) كلا والقمر
) كَلاَّ (، قال الزمخشري : كلا إنكار بعد أن جعلها ذكرى، أن يكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون. انتهى. ولا يسوغ هذا في حق الله تعالى أن يخبر أنها ذكرى للبشر، ثم ينكر أن تكون لهم ذكرى، وإنما قوله :) لّلْبَشَرِ ( عام مخصوص. وقال الزمخشري : أو ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذير. وقيل : ردع لقول أبي جهل وأصحابه أنهم يقدرون على مقاومة خزنة جهنم. وقيل : ردع عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة. وقال الفراء : هي صلة للقسم، وقدرها بعضهم بحقاً، وبعضهم بألا الاستفتاحية، وقد تقدم الكلام عليها في آخر سورة مريم عليها السلام.
( وَالْقَمَرِ (
المدثر :( ٣٣ ) والليل إذ أدبر
) وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ( : أي ولى، ويقال دبر وأدبر بمعنى واحد. أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفاً لها وتنبيهاً على ما يظهر بها وفيها من عجائب الله وقدرته، وقوام الوجود بإيجادها. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبو جعفر وشيبة وأبو الزناد وقتادة وعمر بن العزيز والحسن وطلحة والنحويان والابنان وأبو بكر : إذا ظرف زمان مستقبل دبر بفتح الدال ؛ وابن جبير والسلمي والحسن : بخلاف عنهم ؛ وابن سيرين والأعرج وزيد بن علي وأبو شيخ وابن محيصن ونافع وحمزة وحفص : إذ ظرف زمان ماض، أدبر رباعياً ؛ والحسن أيضاً وأبو رزين وأبو رجاء وابن يعمر أيضاً والسلمي أيضاً وطلحة أيضاً والأعمش ويونس بن عبيد ومطر : إذا بالألف، أدبر بالهمز، وكذا هو في مصحف عبد الله وأبيّ، وهو مناسب لقوله :) إِذَا أَسْفَرَ (، ويقال : كأمس الدابر وأمس المدبر بمعنى واحد. وقال يونس بن حبيب : دبر : انقضى، وأدبر : تولى. وقال قتادة : دبر الليل : ولى. وقال الزمخشري : ودبر بمعنى أدبر، كقبل بمعنى أقبل. وقيل : هو من دبر


الصفحة التالية
Icon