" صفحة رقم ٣٧١ "
قيل : والتقدم : الإيمان، والتأخر : الكفر. وقال السدي : أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها، أو يتأخر عنها إلى الجنة. وقال الزجاج : أن يتقدم إلى المأمورات، أو يتأخر عن المنهيات، والظاهر العموم في كل نفس. وقال الضحاك : كل نفس حقيق عليها العذاب، ولا يرتهن الله تعالى أحداً من أهل الجنة، ورهينة بمعنى رهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، وليست بمعنى مفعول لأنها بغير تاء للمذكر والمؤنث، نحو : رجل قتيل وامرأة قتيل، فالمعنى : كل نفس بما كسبت رهن، ومنه قول الشاعر : أبعد الذي بالنعف نعف كويكب
رهينة رمس ذي تراب وجندل
أي : رمس رهن، والمعنى : أن كل نفس رهن عند الله غير مفكوك. وقيل : الهاء في رهينة للمبالغة. وقيل : على تأنيث اللفظ لا على الإنسان، والذي أختاره أنها مما دخلت فيه التاء، وإن كان بمعنى مفعول في الأصل كالنطيحة، ويدل على ذلك أنه لما كان خبر عن المذكر كان بغير هاء، قال تعالى :) كُلُّ امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ). فأنت ترى حيث كان خبراً عن المذكر أتى بغير تاء، وحيث كان خبراً عن المؤنث أتى بالتاء، كما في هذه الآية. فأما الذي في البيت فأنث على معنى النفس.
المدثر :( ٣٩ ) إلا أصحاب اليمين
) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (، قال ابن عباس : هم الملائكة. وقال عليّ : هم أطفال المسلمين. فعلى هذين القولين يكون استثناء منقطعاً، أي لكن أصحاب اليمين في جنات. وقال الحسن وابن كيسان : هم المسلمون المخلصون، ليسوا بمرتهنين لأنهم أدوا ما كان عليهم، وهذا كقول الضحاك الذي تقدم. وقال الزمخشري :) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (، فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطابوه من كسبهم، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق. انتهى. وظاهر هذا أنه استثناء متصل
المدثر :( ٤٠ - ٤٢ ) في جنات يتساءلون
في جنات، أي هم ) فِى جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ ( : أي يسأل بعضهم بعضاً، أو يكون يتساءل بمعنى يسأل، أي يسألون عنهم غيرهم، كما يقال : دعوته وتداعوته بمعناه. وعلى هذين التقديرين كيف جاء ) مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ( بالخطاب للمجرمين، وفي الكلام حذف، المعنى : أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضاً، أو يسألون غيرهم عن من غاب من معارفهم، فإذا عرفوا أنهم مجرمون في النار قالوا لهم، أو قالت لهم الملائكة : هكذا قدره بعضهم، والأقرب أن يكون التقدير : يتساءلون عن المجرمين قائلين لهم بعد التساؤل :) مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ).
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف طابق قوله :) مَا سَلَكَكُمْ ( ؟ وهو سؤال للمجرمين، قوله :) يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ( ؟ وهو سؤال عنهم، وإنما كان يطابق ذلك لو قيل يتساءلون عن المجرمين ما سلككم ؟ قلت :) مَا سَلَكَكُمْ ( ليس ببيان للتساؤل عنهم، وإنما هو حكاية قول المسؤولين عنهم، لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين فيقولون : قلنا لهم ) مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ (، ( قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ (، إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار، كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه. انتهى، وفيه تعسف. والأظهر أن السائلين هم المتسائلون، وما سلككم على إضمار القول كما ذكرنا، وسؤالهم سؤال توبيخ لهم وتحقير، وإلا فهم عالمون ما الذي أدخلهم النار.
المدثر :( ٤٣ - ٤٧ ) قالوا لم نك.....
والجواب أنهم لم يكونوا متصفين بخصائل الإسلام من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم ارتقوا من ذلك إلى الأعظم وهو الكفر والتكذيب بيوم الجزاء، كقولهم :) فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ (، ثم قال :) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ ). واليقين : أي يقيناً على إنكار يوم الجزاء، أي وقت الموت. وقال ابن عطية : واليقين عندي صحة ما كانوا يكذبون من الرجوع إلى الله تعالى والدار الآخر. وقال المفسرون : اليقين : الموت، وذلك عندي هنا متعقب، لأن نفس الموت يقين عند الكافر وهو حي. وإنما اليقين الذي عنوا في هذه الآية الشيء الذي كانوا يكذبون به وهم أحياء في الدنيا فتيقنوه بعد الموت، وإنما يتفسر اليقين بالموت في قوله تعالى :) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ).
المدثر :( ٤٨ ) فما تنفعهم شفاعة.....
( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ( : ليس المعنى أنهم يشفع لهم فلا تنفع شفاعة من يشفع لهم، وإنما