" صفحة رقم ٤٥٤ "
استثناؤه.
وأخذ الزمخشري هذا القول فقال : وقال : إلا ما شاء الله، والغرض نفي النسيان رأساً، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله، ولا يقصد استثناء شيء، وهو من استعمال القلة في معنى النفي، انتهى. وقول الفراء والزمخشري يجعل الاستثناء كلا استثناء، وهذا لا ينبغي أن يكون في كلام الله تعالى، بل ولا في كلام فصيح. وكذلك القول بأن لا في ) فَلاَ تَنسَى ( للنهي، والألف ثابتة لأجل الفاصلة، وهذا قول ضعيف. ومفهوم الآية في غاية الظهور، وقد تعسفوا في فهمها. والمعنى أنه تعالى أخبر أنه سيقرئه، وأنه لا ينسى إلا ما شاء الله، فإنه ينساه إما النسخ، وإما أن يسن، وإما على أن يتذكر. وهو ( ﷺ ) ) معصوم من النسيان فيما أمر بتبليغه، فإن وقع نسيان، فيكون على وجه من الوجوه الثلاثة.
ومناسبة ) سَنُقْرِئُكَ ( لما قبله : أنه لما أمره تعالى بالتسبيح، وكان التسبيح لا يتم إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن، وكان يتذكر في نفسه مخافة أن ينسى، فأزال عنه ذلك وبشره بأنه تعالى يقرئه وأنه لا ينسى، استثنى ما شاء الله أن ينسيه لمصلحة من تلك الوجوه. ) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ ( : أي جهرك بالقرآن، ( وَمَا يَخْفَى ( : أي في نفسك من خوف التفلت، وقد كفاك ذلك بكونه تكفل بإقرائك إياه وإخباره أنك لا تنسى إلا ما استثناه، وتضمن ذلك إحاطة علمه بالأشياء.
الأعلى :( ٨ ) ونيسرك لليسرى
) وَنُيَسّرُكَ ( معطوف على ) سَنُقْرِئُكَ (، وما بينهما من الجملة المؤكدة اعتراض، أي يوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، يعني في حفظ الوحي. وقيل : للشريعة الحنيفية السهلة. وقيل : يذهب بك إلى الأمور الحسنة في أمر دنياك وآخرتك من النصر وعلو المنزلة والرفعة في الجنة. ولما أخبر أنه يقرئه وييسره، أمره بالتذكير، إذ ثمرة الإقراء هي انتفاعه في ذاته وانتفاع من أرسل إليهم.
الأعلى :( ٩ ) فذكر إن نفعت.....
والظاهر أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى، وهذا الشرط إنما جيء به توبيخاً لقريش، أي ) إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى ( في هؤلاء الطغاة العتاه، ومعناه استبعاد انتفاعهم بالذكرى، فهو كما قال الشاعر : لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
كما تقول : قل لفلان وأعد له إن سمعك ؛ فقوله : إن سمعك إنما هو توبيخ وإعلام أنه لن يسمع. وقال الفراء والنحاس والزهراوي والجرجاني معناه : وإن لم ينفع فاقتصر على القسم الواحد لدلالته على الثاني. وقيل : إن بمعنى إذ، كقوله :) وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ( : أي إذ كنتم ؛ لأنه لم يخبر بكونهم الأعلون إلا بعد إيمانهم.
الأعلى :( ١٠ ) سيذكر من يخشى
) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ( : أي لا يتذكر بذكراك إلا من يخاف، فإن الخوف حامل على النظر في الذي ينجيه مما يخافه، فإذا نظر فأداه النظر والتذكر إلى الحق، وهؤلاء هم العلماء والمؤمنون كل على قدر ما وفق له.
الأعلى :( ١١ - ١٢ ) ويتجنبها الأشقى
) وَيَتَجَنَّبُهَا ( : أي الذي، ( الاْشْقَى ( : أي المبالغ في الشقاوة، لأن الكافر بالرسول ( ﷺ ) ) هو أشقى الكفار، كما أن المؤمن به وبما جاء به هو أفضل ممن آمن برسول قبله. ثم وصفه بما يؤول إليه حاله في الآخرة، وهو صلي النار ووصفها بالكبرى. قال الحسن : النار الكبرى : نار الآخرة، والصغرى : نار الدنيا. وقال الفراء : الكبرى : السفلى من أطباق النار. وقيل : نار الآخرة تتفاضل، ففيها شيء أكبر من شيء.
الأعلى :( ١٣ ) ثم لا يموت.....
( ثُمَّ لاَ يَمُوتُ ( : فيستريح، ( وَلاَ يُحْىِ ( حياة هنيئة ؛ وجيء بثم المقتضية للتراخي إيذاناً بتفاوت مراتب الشدة، لأن التردد بين الحياة والموت أشد وأفظع من الصلى بالنار.
الأعلى :( ١٤ ) قد أفلح من.....
( قَدْ أَفْلَحَ ( : أي فاز وظفر بالبغية، ( مَن تَزَكَّى ( : تطهر. قال ابن عباس : من الشرك، وقال : لا إله إلا الله. وقال الحسن : من كان عمله زاكياً. وقال أبو الأحوص وقتادة وجماعة : من رضخ من ماله وزكاه.
الأعلى :( ١٥ ) وذكر اسم ربه.....
( وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ ( : أي وحده، لم يقرنه بشيء من الأنداد، ( فَصَلَّى ( : أي أتى الصلاة المفروضة وما أمكنه من النوافل، والمعنى : أنه لما تذكر آمن بالله، ثم أخبر عنه تعالى أنه أفلح من أتى بهاتين العبادتين الصلاة والزكاة، واحتج بقوله :) وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ ( على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنه جائز بكل اسم من أسمائه تعالى، وأنها ليست من الصلاة، لأن الصلاة معطوفة على الذكر الذي هو تكبيرة الافتتاح، وهو احتجاج ضعيف. وقال ابن عباس :) وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ ( : أي معاده وموقفه بين يدي ربه،