" صفحة رقم ٥٢٠ "
١٠٨
( سورة الكوثر )
٢ ( ) إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاٌّ بْتَرُ ( ) ) ٢
الكوثر :( ١ ) إنا أعطيناك الكوثر
انحر : أمر من النحر، وهو ضرب النحر للإبل بما يفيت الروح من محدود. الأبتر : الذي لا عقب له، والبتر : القطع، بترت الشيء : قطعته، وبتر بالكسر فهو أبتر : انقطع ذنبه. وخطب زياد خطبته البتراء، لأنه لم يحمد فيها الله تعالى، ولا صلى على رسوله ( ﷺ ) )، ورجل أباتر، بضم الهمزة : الذي يقطع رحمه، ومنه قول الشاعر : لئيم بدت في أنفه خنزوانة
على قطع ذي القربى أجذ أباتر
والبترية : قوم من الزيدية نسبوا إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر، والله تعالى أعلم.
( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاْبْتَرُ ).
هذه السورة مكية في المشهور، وقول الجمهور : مدنية في قول الحسن وعكرمة وقتادة. ولما ذكر فيما قبلها وصف المنافق بالبخل وترك الصلاة والرياء ومنع الزكاة، قابل في هذه السورة البخل ب ) إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (، والسهو في الصلاة بقوله :) فَصْلٌ (، والرياء بقوله :) لِرَبّكِ (، ومنع الزكاة بقوله :) وَانْحَرْ (، أراد به التصدّق بلحم الأضاحي، فقابل أربعاً بأربع. ونزلت في العاصي بن وائل، كان يسمي الرسول ( ﷺ ) ) بالأبتر، وكان يقول : دعوه إنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه.
وقرأ الجمهور :) أَعْطَيْنَاكَ ( بالعين ؛ والحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني : أنطيناك بالنون، وهي قراءة مروية عن رسول الله ( ﷺ ) ). قال التبريزي : هي لغة للعرب العاربة من أولي قريش. ومن كلامه ( ﷺ ) ) :( اليد العلياء المنطية واليد السفلى المنطاة ). ومن كلامه أيضاً، عليه الصلاة والسلام :( وأنطوا النيحة ). وقال الأعشى : جيادك خير جياد الملوك
تصان الحلال وتنطى السعيرا
قال أبو الفضل الرازي وأبو زكريا التبرزي : أبدل من العين نوناً ؛ فإن عنيا النون في هذه اللغة مكان العين في غيرها فحسن، وإن عنيا البدل الصناعي فليس كذلك، بل كل واحد من اللغتين أصل بنفسها لوجود تمام التصرّف من كل واحدة، فلا يقول الأصل العين، ثم أبدلت النون منها.
وذكر في التحرير : في الكوثر ستة وعشرين قولاً، والصحيح هو ما فسره به رسول الله ( ﷺ ) )، فقال :( هو نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ). قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وفي صحيح مسلم، واقتطعنا منه،