صفحة رقم ١١١
عرفة فلما بلغ عرفات قال : عرفت يا إبراهيم.
قال إبراهيم : نعم فسمي ذلك الوقت عرفة والموضع عرفات ) وتب علينا ( أي تجاوز عنا ) إنك أنت التواب ( أي المتجاوز عن عباده ) الرحيم ( بهم واحتج بقوله ( وتب علينا ) من جوز الذنوب على الأنبياء.
ووجهه أن التوبة لا تطلب من الله إلاّ بعد تقدم الذنب فلو لا تقدم الذنب لم يكن لطلب التوبة وجه.
وأجيب عنه بأن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه عز وجل فإنه لا ينفك عن تقصير في بعض الأقات.
أما على سبيل السهو أو ترك الأولى والأفضل، وكان هذا الدعاء لأجل ذلك، وقيل : يحتمل أن الله تعالى لما أعلم إبراهيم أن في ذريته من ظالم فلا جرم سأل ربه التوبة لأولئك الظلمة، والمعنى وتب على الظلمة من أولادنا حتى يرجعوا إلى طاعتك فيكون ظاهر الكلام الدعاء لأنفسهما والمراد به ذريتهما.
وقيل : يحتمل أنهما لما رفعا قواعد البيت وكان ذلك أحرى الأماكن بالإجابة دعوا الله بذلك الدعاء ليجعلا ذلك سنة وليقتدى من بعدهما في ذلك الدعاء لأن ذلك المكان هو موضع التنصل من الذنوب وسؤال التوبة والمغفرة من الله تعالى.
قوله عز وجل :( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم ( يعني وابعث في الأمة المسلمة أو الذرية وهم العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وقوله : رسولاً منهم يعني ليدعوهم إلى الإسلام ويكمل الدين والشرع.
وإذا كان الرسول منهم يعرفون نسبه ومولده ومنشأه كان أقرب لقبول قوله ويكون هو أشفق عليهم من غيره، وأجمع المفسرون على أن المراد به بقوله ( رسولاً منهم ) هو محمد ( ﷺ ) لأن إبراهيم عليه السلام إنما دعا لذريته وهو بمكة ولم يبعث من ذريته بمكة غير محمد ( ﷺ ) فدل على أن المراد به محمد ( ﷺ ) وروى البغوي بإسناده عن العرباض بن سارية عن رسول الله ( ﷺ ) قال :( إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني، وقد خرج لها نور ساطع أضاءت لها منه قصور الشام ) وقوله : لمنجدل في طينته معناه أنه مطروح على وجه الأرض صورة من طين لم تجر فيه الروح وأراد بدعوة إبراهيم قوله :( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم (، فاستجاب الله دعاء إبراهيم وبعث محمداً ( ﷺ ) في آخر الزمان وأنقذهم به من الكفر والظلم وأراد ببشارة عيسى عليه السلام قوله في سورة الصف :( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ( ) يتلو عليهم ( أي يقرأ عليهم ) آياتك ( يعني ما توحيه إليه وهو القرآن الذي أنزل على محمد ( ﷺ ) لأن الذي كان يتلوه عليهم هو القرآن فوجب حمله عليه ) ويعلمهم الكتاب ( يعني معاني الكتاب وحقائقه لأن المقصود الأعظم تعليم ما في القرآن من دلائل التوحيد والنبوة والأحكام الشرعية فلما ذكر الله تعالى أولاً أمر التلاوة، وهي حفظ القرآن ودراسته ليبقى مصوناً عن التحريف، والتبديل ذكر بعده تعليم حقائقه وأسراره ) والحكمة ( أي ويعلمهم الحكمة وهي الإصابة في القول والعمل ولا يسمى الرجل