صفحة رقم ١١٨
السفهاء ذلك رد الله تعالى بقوله :( قل ( يا محمد ) لله المشرق والمغرب ( يعني أن له قطري المشرق والمغرب وما بينهما ملكاً فلا يستحق شيء أن يكون لذاته قبلة لأن الجهات كلها شيء واحد، وإنما تصير قبلة لأن الله تعالى هو الذي جعلها قبلة فلا اعتراض عليه وهو قوله :( يهدي من يشاء ( يعني من عباده ) إلى صراط مستقيم ( يعني إلى جهة الكعبة وهي قبلة إبراهيم عليه السلام.
قوله عز وجل :( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ( الكاف في قوله وكذلك كاف التشبيه جاء لمشبه به وفيه وجوه أحدها أنه معطوف على ما تقدم من قوله في حق إبراهيم : ولقد اصطفيناه في الدنيا، وكذلك جعلناكم أمة وسطاً الثاني أنه معطوف على قوله :( يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( وكذلك هديناكم وجعلنا قبلتكم وسطاً بين المشرق والمغرب كذلك جعلناكم أمة وسطاً يعني عدولاً خياراً، وخير الأمور أوسطها، قال زهير :
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
وقيل : متوسطة والمعنى أهل دين وسط بين الغلو والتقصير، لأنهما مذمومان في أمر الدين لا كغلو النصارى في عيسى، ولا كتقصير اليهود في الدين وهو تحريفهم وتبديلهم.
وسبب نزول هذه الآية أن رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمد قبلتنا إلاّ حسداً وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ولقد علم محمد أنّا اعدل الناس فقال معاذ : إنا على حق وعدل فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ( ﷺ ) قال :( ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها، وخيرها وأكرمها على الله تعالى ) وقوله تعالى :( لتكونوا شهداء على الناس ( يعني يوم القيامة أن الرسل قد بلغتهم رسالات ربهم، وقيل : إن أمة محمد ( ﷺ ) شهداء على من ترك الحق من الناس أجمعين ) ويكون الرسول ( يعني محمداً ( ﷺ ) ) عليكم شهيداً ( يعني عدلاً مزكياً لكم وذلك أن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم يقول لكفار الأمم : ألم يأتكم نذير فينكرون ويقولون ما جاءنا من نذير فيسأل الله الأنبياء عن ذلك فيقولون : كذبوا قد بلغناهم فيسألهم البينة وهو أعلم بهم إقامة الحجة فيقولون أمة محمد تشهد لنا فيؤتى بأمة محمد عليه الصلاة والسلام، فيشهدون لهم بأنهم قد بلغوا فتقول الأمم الماضية من أين علموا وإنما أتوا بعدنا ؟ فيسأل هذه الأمة.
فيقولون : أرسلت إلينا رسولاً وأنزلت عليه كتاباً أخبرتنا فيه بتبليغ الرسل وأنت صادق فيما أخبرت ثم يؤتى بمحمد ( ﷺ ) فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بصدقهم
( خ ) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ( ﷺ ) :( يجاء بنوح وأمته يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول نعم أي رب فيسأل أمته هل بلغكم ؟ فيقولون ما جاءنا من نذير فيقال لنوح من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته فيجاء بكم فتشهدون ) ثم قرأ رسول الله ( ﷺ ) :( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً ( زاد الترمذي وسطاً عدولاً.