صفحة رقم ١٣٢
يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة حتى نزلت ) إن الصفا والمروة من شعائر الله (.

فصل


اختلف العلماء في حكم السعي بين الصفا والمروة
، فذهب جماعة إلى وجوبه وهو قول ابن عمر وجابر وعائشة وبه قال الحسن : وإليه ذهب مالك والشافعي وذهب قوم إلى أنه تطوع.
وهو قول ابن عباس : وبه قال ابن سيرين وذهب الثوري وأبو حنيفة إلى أنه ليس بركن وعلى من تركه دم وروي عن ابن الزبير ومجاهد وعطاء أن من تركه فلا شيء عليه واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك فروي عنه أن من ترك السعي بين الصفا والمروة لم يجزه حجة وروي عنه أنه لا شيء في تركه عمداً، ولا سهواً ولا ينبغي أن يتركه ونقل الجمهور عنه أنه تطوع وسبب هذا الاختلاف أن قوله تعالى :( فلا جناح عليه ( يصدق عليه أنه إثم عليه في فعله، فدخل تحته الواجب والمندوب والمباح فظاهر هذه الآية، لا يدل على أن السعي بين الصفا والمروة واجب أو ليس بواجب، لأن اللفظ الدال على القدر المشترك بين الأقسام الثلاثة لا دلالة فيه على خصوصية أحدهما، فإذا لا بد من دليل خارج يدل على أن السعي واجب أو غير واجب فحجة الشافعي ومن وافقه في أن السعي بين الصفا والمروة، ركن من أركان الحج والعمرة، ما روى الشافعي بسنده عن صفية بنت شيبه، قالت : أخبرتني بنت أبي تجزاة واسمها حبيبة إحدى نساء بني عبد الدار قالت : دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى النبي ( ﷺ ) وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى لأقول : إني لأرى ركبته وسمعته يقول :( اسمعوا فإن الله كتب عليكم السعي ) وصححه الدارقطني
( ق ) عن عروة بن الزبير قال : قلت لعائشة زوج النبي ( ﷺ ) أرأيت قول الله :( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ( فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوف بهما فقالت عائشة : كلا لو كان كما تقول كانت فلا جناح عليه، أن لا يطوف بهما إنما نزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله ( ﷺ ) فأنزل الله تعالى :( إن الصفا والمروة من شعائر الله ( الآية ( م ) عن جابر في حديثه الطويل في صفة حجة الوداع قال : ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ :( إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا ) الحديث فإذا ثبت أن النبي ( ﷺ ) سعى وجب علينا السعي لقوله تعالى : فاتبعوه، ولقوله ( ﷺ ) :( خذوا عني مناسككم ) والأمر للوجوب ومن القياس أن السعي أشواط شرعت في بقعة من بقاع الحرم ويؤتى به في إحرام كامل فكان ركناً كطواف الزيارة واحتج أبو حنيفة ومن لا يرى وجوب السعي بقوله :( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ( وهذا لا يقال في الواجبات ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله :( ومن تطوع خيراً ( فبين أنه تطوع وليس بواجب.
وأجيب عن الأول بأن قوله تعالى :( فلا جناح عليه ( ليس فيه إلاّ أنه لا إثم على فعله وهذا القدر مشترك بين الواجب، وغيره كما تقدم بيانه فلا يكون فيه دلالة على نفي الوجوب.
وعن الثاني وهو التمسك بقوله تعالى :( ومن تطوع خيراً ( فضعيف لأن هذا لا يقتضي أن يكون المراد من هذا التطوع هو الطواف المذكور، أولاً بل يجوز أن يكون المقصود منه شيئاً أخر يدل على ذلك قول الحسن : إن المراد من قوله :( ومن تطوع خيراً ( جميع الطاعات في الدين يعني فعل فعلاً زائداً على ما افترض عليه من صلاة وصدقة وصيام وحج وعمره، وطواف، وغير


الصفحة التالية
Icon