صفحة رقم ١٤٢
حل لكم ( وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : لا يحل ذلك والحجة فيه أنهم إذا ذبحوا على اسم المسيح فقد أهلوا به لغير الله فوجب أن يحرم.
وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال : إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا وإذا لم تسمعوهم فكلوا، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
المسألة الخامسة في حكم المضطر : المضطر هو المكلف بالشيء، الملجأ إليه المكره عليه والمراد بالمضطر في قوله فمن اضطر أي خاف التلف حتى قيل : من اضطر إلى أكل فلم يأكل الميتة فلم يأكل منها حتى مات دخل النار.
والمضطر على ثلاثة أقسام : إما بإكراه أو بجوع في مخمصة أو بفقر لا يجد شيئاً البتة فإن التحريم يرتفع مع وجود هذه الأقسام بحكم الاستثناء في قوله : فلا إثم عليه وتباح له الميتة فأما الإكراه فيبيح ذلك إلى زوال الإكراه وأما المخمصة فلا يخلو إن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها، وإن كانت نادرة فاختلف العلماء فيه.
وللشافعي قولان أحداهما أنه يأكل ما يسد به الرمق، وبه قال أبو حنيفة.
والثاني يأكل قدر الشبع، وبه قال مالك.
المسألة السادسة في قوله غير باغ ولا عاد : قال ابن عباس : معنى غير باغ خارج على السلطان ولا عادٍ أي معتدٍ يعني العاصي بسفره بأن يخرج لقطع الطريق أو أبق من مولاه فلا يجوز للعاصي بسفره أن يأكل من الميتة إذا اضطر إليها، ولا يترخص برخص المسافرين حتى يتوب، وبه قال الشافعي : لأن إباحة الميتة له إعانة له على فساده وذهب قوم إلى أن البغي والعدوان يرجعان إلى الأكل وبه قال أبو حنيفة.
وأباح أكل الميتة للمضطر وإن كان عاصياً، وقيل في معنى قوله غير باغ أي غير طالب الميتة وهو يجد غيرها ولا عاد أي غير متعد ما حدّ له، وقيل : غير مستحل لها ولا متزود منها.
البقرة :( ١٧٤ - ١٧٥ ) إن الذين يكتمون...
" إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار " ( قوله عز وجل :( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ( نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم ذلك أنهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والمآكل وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث محمد ( ﷺ ) وهو من غيرهم خافوا على ذهاب مآكلهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة رسول الله ( ﷺ ) فكتموها فأنزل الله :( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ( أي في الكتاب من صفة رسول الله ( ﷺ ) ونعته ووقت نبوته هذا قول المفسرين قال الإمام فخر الدين الرازي وعند المتكلمين هذا ممتنع لأن التوراة والإنجيل قد بلغا من الشهرة والتواتر إلى حيث تعذر ذلك فيهما بل كانوا يكتمون التأويل لأنه قد كان منهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد ( ﷺ ) فكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة ويصرفونها عن محالها الصحيحة الدالة على نبوة محمد ( ﷺ ) فهذا هو المراد بالكتمان فيصير المعنى، إن الذين يكتمون معاني ما أنزل الله من الكتاب ) ويشترون به ( أي بالكتمان وقيل يعود الضمير إلى ما أنزل الله من الكتاب ) ثمناً قليلاً ( أي عوضاً يسيراً وهي المآكل التي كانوا يأخذونها من سفلتهم ) أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النار ( يعني ما يؤديهم إلى النار وهو الرشا والحرام فلما كان يفضي بهم ذلك إلى النار فكأنهم أكلوها ) ولا يكلمهم الله يوم القيامة ( أي كلام رحمة وما يسرهم بل يكلمهم بالتوبيخ، وهو قوله اخسؤوا فيها وقيل أراد به الغضب يقال فلان لا يكلم فلاناً إذا غضب عليه ) ولا يزكيهم ( أي ولا يطهرهم من دنس الذنوب ) ولهم عذاب أليم ( أي وجيع يصل ألمه إلى قلوبهم ) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة ( معناه : أنهم


الصفحة التالية
Icon